الحوريات والألهة الأنثوية

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد كانت “الحوريات” معروفة في الحضارة اليونانية من قبل نزول القرءان وفي القرن الخامس قبل الميلاد. فكلمة “حوري” تصف ثلاث ألهة أنثوية, هن بنات زيوس (أكبر الألهة اليونانية) وقد كانت وظيفتهن التحكم بالفصول السنوية (بما أن الأغريق القدماء كانوا يعرفون 3 فصول في السنة فقط), فكن ينسجن شبكة البروج السماوية لتحديد الزمن والقدر, ويحرسن جبل الأولمبوس والمدخل الى السماء (أنظر ويكيبديا).


الحوريات الثلاثة ربات الفصول

أسماء هؤلاء الحوريات:

  1. ثالو (ثلاثِ, وتعني: تزهر النباتات) نسبة لفصل الربيع وهي الألهة التي كانت تقوم بحماية الشباب في أول طلعته
  2. أوكسو (أوكسيسيا وتعني: النمو والربو)
  3. كاربو (اكساربو, وتعني الثمار) نسبة لفصل الصيف والخريف فصل جمع المحاصيل وهي الألهة التي كانت تحمي “أفروديت” و “حيرا”.

نلاحظ أن أول إسم من هؤلاء هو “ثلاث” الذي ذكر أيضا في القرءان, سورة النجم (منوة الثالثة) حيث أخبرنا الله عن الإفتراءات التي نسبت إليه من المشركين, الذين جعلوا لأنفسهم الذكر ولله الأنثى, سبحانه وتعالى عما يشركون

53:19 أفرءيتم اللت والعزى
53:20 ومنوة الثالثة الأخرى
53:21 ألكم الذكر وله الأنثى
53:22 تلك إذا قسمة ضيزى
53:23 إن هى إلا أسماء سميتموها أنتم وءاباؤكم ما أنزل الله بها من سلطن إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى

وقد تغيرت أسماء هؤلاء من جيل لآخر وحسب البلدان أو اللغة الأم للأقوام التي أمنت أو ما تزال تؤمن بهن, فنرى على سبيل المثال أن “أفروديت” هي نفسها “فينوس” عند الرومان أو “عشتار” عند البابليون.


لوحة للفنان بوتشيلي: أفروديت التي خرجت كاللؤلؤة من داخل صدفة المحار وهي محاطة بالحوريات

الملاحظ أن بعض مفسري القرءان كـ “ابن كثير”, غاصوا في الميثولوجيا الأغريقية وفسروا الآيات من هذا المنطلق كما نرى في التفسير التالي لبداية سورة القلم:

قال ابن كثير في تفسير سورة القلم :
( وقيل: المراد بقوله: ** ن } حوت عظيم على تيار الماء العظيم المحيط، وهو حامل للأرضين السبع ……………. وذكر البغوي وجماعة من المفسرين: إن على ظهر هذا الحوت صخرة سمكها كغلظ السموات والأرض، وعلى ظهرها ثور له أربعون ألف قرن، وعلى متنه الأرضون السبع وما فيهن وما بينهن فالله أعلم .)
انتهى كلام ابن كثير.

لسنا بصدد الدخول في متاهات السلف وتأويلهم ونفضل أن نترك النقد في هذ الأمر لكل إنسان عاقل!

ملائكة أنثوية

نلاحظ دائما في القرءان أنه عندما يخبرنا الله عن إفتراءات المشركين وتقولهم على الله كذبا فهو لا يربط هذا الوصف بأمر تاريخي حصل في وقته ولا يوجد له أثر في وقتنا الحالي, بل بالعكس فالشرح الذي أتى في سورة النجم عن “اللات والعزى ومنوة الثالثة” لا بد أن يكون تحذيرا من الله ولكل وقت وحتى لوقتنا الحالي.

لنتتبع باقي الآيات من هذه السورة:

53:27 إن الذين لا يؤمنون بالءاخرة ليسمون الملئكة تسمية الأنثى
53:28 وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغنى من الحق شيءا

من الواضح أن هذه الآيات لا تتكلم عن الماضي بل تعطينا وصف لهذا النوع من الناس الذين يتفننون بالأحاديث المزخرفة ويأتون بالغيبيات دون أن يكون لهم أدنى علم بها. فلو إتطلعنا على أحاديث أهل التراث الواهية عن كيفيىة خلق حور العين – إن لم يكن بشرا من طين – نرى في كتبهم التالي:

قال الطبراني عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم )): خلق الحور العين من الزعفران )) وقد روى في خلقهن رأى اخر روى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((سئل عن الحور العين من أي شيء خلقن قال: من ثلاثة أشياء أسفلهن من المسك, وأوسطهن من العنبر وأعلاهن من الكافور,وشعورهن وحواجبهن سواد خُط من نور.)) رُوى عن ابن عباس أنه قال: خلق الله الحور من أصابع رجليها إلى ركبتيها من الزعفران ومن ركبتها إلى ثدييها من المسك الأذفر (أي ذائع ونفاذ)) ومن ثدييها إلى عنقها من العنبر الأشهب (بياض غالب على السواد) ومن عنقها إلى رأسها من الكافور الأبيض ,عليها سبعون ألف حلة مثل شقائق النعمان إذا أقبلت يتلألأ وجهها نوراً ساطعاً كما تتلألأ الشمس لأهل الدنيا ,وإذا أقبلت يُرى كبدها من رقة ثيابها وجلدها في رأسها سبعون ألف ذؤابة من المسك الأذفر ولكل ذؤابة وهي (أعلى الشيء) منها وصيفة ترفع ذيلها وهي تنادي هذا ثواب الأولياء جزاء بما كانوا يعملون .وعنه أيضاً قال: إن في الجنة نهراً يقال له البيدخ ,عليه قباب من ياقوت ,تحته حور ناشئات ,يقول أهل الجنة: انطلقوا فيها إلى البيدخ, فيتصفحون تلك الجواري فا إذا أعجب رجل منهم جارية مسّ معصمها فتتبعة فيالها من متعة ولذة لاتعدلها لذة في الدنيا.

طبعا هذا الوصف لا ينطبق لا على جن ولا على إنس فمن هم المخلوقات المقصودة بذلك الوصف العجيب؟ ولربما يقصدون مخلوقات شبيهة بالملائكة المكرمين؟

من هم حور العين؟

لقد ظهر في الأونة الأخيرة بعض المفكرين للنص القرءاني ومن بينهم الكاتب المجهول “لوكسنبوغ” الذي تكلم في كتابه “القراءة الآرامية السريانية للقرءان” عن مجموعة من الكلمات القرءانية التي لها أصل آرامي وهو يقول, حسب الدراسة التي قدمها لهذا الموضوع, أن العرب أساءت فهم هذه الكلمات وحورت معناها. ومن بين هذه الكلمات نجد كلمة “حور” التي تعني باللغة الآرامية “فاكهة” وليس المقصود بها نساء الجنة المخصصة للرجال المؤمنين دون النساء المؤمنات! بالطبع أن اللغات السامية كالآرامية والعبرية والعربية لها مشتق واحد وقد يفيدنا أن نتطلع عليها لفهم لغتنا أكثر ولكن القرءان يبقى بلسان عربي وجميع مصطلحاته قابلة للفهم حين تأخذ بعين الأعتبار. لا نريد أن نقول أن لوكسنبورغ أخطأ بتفسيره لهذه الكلمات ولكنه لو إتطلع على المصطلح من عبر اللغة العربية بجانب اللغة الآرامية أو العبرية لربما توصل لفهم أوضح من هذا وخصوصا أن كلمة “فاكهة” قد وردت في القرءان عدة مرات, فلماذا اختار الله مصطلح آخر لنفس الشيئ؟

من المؤكد أن “حور عين” نوع من الأطعمة التي أتت في ترتيب الآيات التي تتحدث عن الأطعمة والمشارب لأهل الجنة كما هي في سورة الواقعة:

56:17 يطوف عليهم ولدن مخلدون
56:18 بأكواب وأباريق وكأس من معين
56:19 لا يصدعون عنها ولا ينزفون
56:20 وفكهة مما يتخيرون
56:21 ولحم طير مما يشتهون
56:22 وحور عين
56:23 كأمثل اللؤلؤ المكنون
56:24 جزاء بما كانوا يعملون

  • فالآيات 18 و19 بدأت بالمشارب,
  • الآية 20 تتكلم عن الفاكهة وهي ثمار الأشجار الحلوة المذاق,
  • والآية 21  عن اللحوم الخفيفة الدسم وأهمها لحم الطير
  • والآية 22 تتكلم عن ثمار مميزة وهي لا توجد على الأشجار بل  في أعماق البحار وهي ما نسميها بـ المحار

أولا كلمة “محار” مشتقة من نفس الجذر اللغوي لكلمة “حور”.
ثانيا: لو تتبعنا الآية 23 (كأمثل اللؤلؤ المكنون) لوجدنا أنها تعطينا مثلا واضحا عن المكان الذي يعيش به حيوان المحار وهو نفس المكان الذي قد يكون به لؤلؤة مكنونة – الصدفة.
الغريب في حيوان المحار أنه لا ينمو له إلا عين واحدة شفافة تجعله يفرق بها بين الظلمة والنور, وعند نموه ببضع أسابيع تختفي هذه العين ويحل مكانها لحم طري الذي يعد من اللحوم الرفيعة المستوى, الخفيفة الدسم والغنية بالفيتامينات المختلفة والمعادن. لحم المحار يجب أن يكون طازجا حين تناوله والأفضل أن تكون صدفة المحار ما تزال مغلقة ولا يرفع الغطاء عنها إلا قبل تناولها وبهذا يضمن الشخص عدم فسادها.

وكلمة “طمث” التي تتكلم عن “الحور” في سورة الرحمن, الآية 74 (لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان) لا تعني الجماع الجنسي لحور العين حسب ما ورد في التفاسير, بل هي كلمة معاكسة لكلمة “طمس” بحرف السين والتي تعني تغطية الشيء وإحكام إغلاقه. أما كلمة “طمث” بحرف الثاء فتعنى رفع الغطاء عن شيئ وتحريره أو إخراج محتواه. وهذا ما وضحناه أنفا عن عملية رفع غطاء صدفة المحار من قبل تناوله.

تلخيص

لا نريد أن نقول أن هذا الفهم للعبارة “حور عين” على أنه “ثمار البحر” أو “المحار” هو الوحيد الصحيح عن غيره ولكن ما لا شك به أن هذه العبارة ليست لها أي دخل بنساء أهل الجنة المخلوقات من الزعفران حسب إفتراءاتهم. ولو تفحصنا بدقة معتقدات السلف عن نظرتهم للجنة فسنجد أنها مليئة بخيال الجاهلية الأولى التي تسمو للعيش بترف, في قصور ليس بها إلا الخمور والجواري والجنس.

فهل معنى هذا أن الآية: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) مقتصرة فقط على الحياة الدنيا دون الآخرة. إذا ما هي الحياة إن لم تكن كفاح وعمل جدي لإحيائها وما هي فرحة النفس إن لم تكن المحصول الذي زرعناه بأيدينا وجهدنا. وهل نفس الإنسان الذي يعيش بترف دون عمل مرتاحة في حياتها.

الحمد لله رب العلمين