بسم الله الرحمن الرحيم
لقد وضع لنا المولى في سورة النبأ 78 عدة صور ومشاهد عن يوم القيامة وعن النفوس التي يفرق أمرها فمنها من سيكون مصيره إلى الجنة ومنها من يكون في النار. من بين النعم التى أنعمها الله على عباده المؤمنين في الجنة (الآيات 31 حتى 36) حدائق بها أعناب وخمرة لذة للشاربين وحياة الخلد سالمين فيها دون ءاثام في نظام أختاره العزيز الحكيم لعباده في الآخرة. من أسس هذا النظام هو العلاقة بين الرجل والمرأة التي تنص على الإحترام المتبادل بين الطرفين وأهمها:
- أن لا نتمنى لأنفسنا إمراة أخانا المسلم أو العكس.
- أن نغض من أبصارنا
- وأن نحفظ فروجنا إلا على أزواجنا
- وأن لا نكون فتنة للآخرين بإرتداءنا ملابس مثيرة للحس الجنسي
إتباع هذه الأوامر الألهية تقينا شرور أنفسنا وتطهرنا من رجس الشيطان وفتنته. لكن على ما يبدوا أن شهوة بعض الناس تغلبت عليهم لحد أنهم أدرجوا خيالهم في آيات القرءان وفسروها بالشكل الذي يتوافق مع المتعة التي ينشدونها. وقد تفاجئنا من خلال قراءتنا لترجمة الأزهر الألمانية في الآية 33 أن العبارة “وكواعب أترابا” تعني حسب فهمهم: “العذارى من الفتيات ذات الصدور العارمة أو البارزة”:
ترجمة الأزهر
gleichaltrige Jungfrauen mit wohlgeformter Brustترجمة عادل خوري
und gleichaltrige Frauen mit schwellenden Brüsten,
وحتى نتأكد من هذا التفسير الذي أتوا به بحثنا في مراجع السلف وتفسيرهم لهذه الآية ووجدنا التالي (مع التلخيص):
تفسير الجلالين :
(وكواعب) جواري تكعبت ثديهن جمع كاعب (أترابا) على سن واحد جمع ترب بكسر التاء وسكون الراءتفسير ابن كثير :
” كواعب ” أي نواهد يعنون أن ثديهن نواهد لم يتدلين لأنهن أبكار عرب أتراب أي في سن واحد
لفد إتضح أن الوصف الذي أتى به السلف لا ينطوي مع تدرج الآيات من جهة وليس له أي دخل في الموضوع المطروح بها من جهة أخرى. فلو نظرنا من الآية 32 حتى الآية 35 نجد أنها تتكلم عن الخمرة وعن زراعتها والأماكن المخصصة لنشأتها وطريقة شربها وتأثيرها على الشارب. فلماذا نجد فجأة معلومة عابرة عن صدر المرأة بين هذا الشرح وفي وسط التدرج الذي أتى في سياق الآيات؟
78:31 إن للمتقين مفازا
78:32 حدائق وأعنبا
78:33 وكواعب أترابا
78:34 وكأسا دهاقا
78:35 لا يسمعون فيها لغوا ولا كذبا
لنحاول تدبر الآيات كل على حده ونرى الترابط المعنوي واللغوي بينهم:
32. الحدائق التي تزرع بها الفاكهة وخصوصا الأعناب التي بحاجة لعناية ومكان مميز حتى تنشأ وتستوي بشكل صحيح.
33. (حسب فهم السلف) ثداي المرأة المكتملة؟؟؟ سيأتي شرحها فيما بعد.
34. الكأس: هو ألية الشرب كما وردت في عدة آيات:
- 76:5 إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا
- 76:17 ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا
أما كلمة “دهق“: فهي موجودة في القرءان مرة واحدة, وهذا ما دعانا للجوء إلى المعاجم العربية. وقد وجدنا أن للكلمة معنيين:
- الأول: ملأ الشيئ المجوف كلكوب أو الكأس
- الثاني: عصر الشيء وإستخراج مكوناته من السوائل. و “الدهق” هو عبارة عن خشبتين يستعملا لعصر الحوائج.
وإن كانت كلمة “دهق” تعني تعبأة الكأس أو أن الكأس يحتوى المعصور فالمقصود في النهاية هو الآية 32 التي تتكلم عن الأعناب.
35. كلمة “لغو” أتت في عدة مواضع في القرءان الكريم وتعني “كثرة الكلام الخارج عن العقل والغير متزن” ونجدها في آية أخرى تتكلم عن كأس أهل الجنة:
- 52:23 يتنزعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم
والألف في آخر الكلمتين “لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا” تفيد بوصف المؤثرات الناتجة عن شرب الخمر. وهنا أيضا نلاحظ أن مدار الآيات من 32 حتى 35 ما زال منحصرا في كيفية الحدائق التي تزرع بها الأعناب….. والمشروب المعصور منها, الذي لا يجرح العقل ولا يذهب به.
كواعب أترابا
ونعود للآية 33 متسألين: هل الآية ترمز بالفعل لما قاله السلف أم أن الآيات ما زالت تتكلم في صميم موضوع واحد مترابط؟
هاتان الكلمتين معروفتان في لغتنا العربية ف:
كلمة “كواعب” هي جمع “كعب” وترمز للمكان الأدنى من الشيء, أمثلة: كعب الجبل: أسفل الجبل قبل الوصول الى الوادي, كعب الكأس: الطرف الأسفل من الكأس. وهي ترمز أيضا للشكل التربيعي: مكعب, الكعبة, تكعيبي, وهي أيضا الشيئ الناتئ عن موضعه: كعب الرِجل.
وكلمة “أترابا” هي وصف للكواعب, وجذرها مشتق من كلمة “ترب” ومنها: التربة, تراب وهي الرمال المخطلة بالحجارة والألياف الصالحة للزراعة لسبب إمتصاصها وخزنها للماء بشكل أفضل. وكلمة “أترابا” بحرف الألف آخرها تعني أيضا الشيء الذي لا يحصى لكثرته. وقد وجدنا هذا التعبير للمرة الثانية في سورة الواقعة الآية 37: “عربا أترابا”.
56:32 وفكهة كثيرة
56:33 لا مقطوعة ولا ممنوعة
56:34 وفرش مرفوعة
56:35 إنا أنشأنهن إنشاء
56:36 فجعلنهن أبكارا
56:37 عربا أترابا
ولو تفحصنا الآيات التي تأتي قبلها, إبتداءا بالآية 32 فسنرى أن التعبير مرتبط:
- (32) بالفاكهة الكثيرة الموجودة
- (33) بلا إنقطاع ومصرح بها لكل من يريد.
- (34) والفرش هي الأرض المرتفعة كما وصفها الله في أيات عديدة (والأرض فرشنها فنعم المهدون) وهي ليست اماكن النوم أو الجلوس كما ظن السلف
- (35) هذه المرتفعات أنشأها الله بقدرته لتكون المكان المناسب للزراعة
- (36) فكانت مميزة, مليئة بالخصوبة
- (37) معربة إلى وحدات ترابية كل قسم منفصل عن الآخر
كروم العنب
من بعد الشرح للمفهوم الذي حاولنا أن نبينه في الأعلى لنلقي نظرة على الصورة التالية من الجبال المختصة لزراعة العنب والملقبة ب “كروم العنب”:
كروم العنب هذه نجدها أكثر الأحيان في المناطق المعتدلة وخصوصا البلدان الواقعة على سواحل البحر الأبيض المتوسط.
ملخص
لعباد الله المتقين حدائق لها تربة غنية صالحة لزراعة الفاكهة وبشكل أخص العنب الذي يحتاج لمناخ معتدل وبيئة تتوفر بها ميزات معينة لتأتي بالجودة المطلوبة. لزراعة العنب يجب أن تهياء المناطق الجبلية بأشكال تربيعية مكعبة وتملأ بالتربة المنقاة والخالية من ألأحجار الكبيرة حتى تتمكن من تخزين الماء الكافي للعنب الذي بطبيعته بحاجة لكثير من الماء والرطوبة فجودته مقترنة بهذه العوامل.
الآيات لا تتكلم عن فتيات عذراوات صدورها بارزة تنتظر في الجنة بل عن الأماكن الخلابة والطبيعة المملوءة بخيرات الله مولىنا الكريم بعطائه.
ملاحظة ظريفة
يبدوا أن زراعة العنب في البلدان التي تتكلم اللغة الألمانية (ألمانيا, النمسا وسويسرا) لم تكن موجودة في الأصل فهو يزرع في المناطق المنخفضة فتبقي جودته ليست عالية. الغريب أن أسم العنب في اللغة الألمانية هو Traube (ترابي) وهي أيضا ترمز لجميع أنواع العنب والتوت وترمز أيضا للعناقيد نفسها. فكل عنقود متدلي من الأشجار يسمى أيضا ترابي.
الحمد لله رب العلمين