بسم الله الرحمن الرحيم
كلما أقراء في القرءان وأصل لسورة الزمر 39 الآية 23 فأفهم منها ان الله يحدثنا عن كتاب ثاني غير القرءان تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم, أي أن هذا الكتاب الثاني المذكور هنا شبيه نوعا ما من الكتاب الأول أو ربما تشابه على الناس فيؤخذ به كسبيل لهم عوضا عن الكتاب الأصل, كتاب الله. لكن من بعد إطلاعي على الترجمات والتفاسير أتضح لي بأن العامة من الناس وخصوصا السلف قد فهموا الآية على أن الكتاب الأول والكتاب المثاني هما نفس الكتاب وأن المقصود حسب فهمهم هو أن الآيات تعيد نفسها فهي بذلك تتشابه. وهناك أيضا تفاسير متنوعة ومختلفة كل مفسر يأتي بفكرته وإعتقاده لمعنى كلمة “المثاني”.
لنقرأ الآية سويا ونرى تفسير السلف فيها وهل هو موافق لمفهوم الآية حقا. وقد قمت بتقسيم الآية لعدة جمل حتى أبين الطريقة المتبعة للقراءة ومكان الوقف بها:
سورة الزمر 39 الآية 23
1. الله نزل أحسن الحديث
2. كتبا متشبها مثانى تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم
3. ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله
4. ذلك هدى الله يهدى به من يشاء
5. ومن يضلل الله فما له من هاد
لنأخذ فقط تفسير الطبري بما أنه جمع أقوال لأشخاص عديدة وحتى لا نكثر الكلام في هذا الموضوع:
{ اللَّه نَزَّلَ أَحْسَن الْحَدِيث كِتَابًا مُتَشَابِهًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { اللَّه نَزَّلَ أَحْسَن الْحَدِيث كِتَابًا } يَعْنِي بِهِ الْقُرْآن { مُتَشَابِهًا } يَقُول : يُشْبِه بَعْضه بَعْضًا , لَا اِخْتِلَاف فِيهِ , وَلَا تَضَادَّ , كَمَا : 23186
– حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { اللَّه نَزَّلَ أَحْسَن الْحَدِيث كِتَابًا مُتَشَابِهًا } الْآيَة تُشْبِه الْآيَة , وَالْحَرْف يُشْبِه الْحَرْف. 23187
– حَدَّثَنَا مُحَمَّد قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { كِتَابًا مُتَشَابِهًا } قَالَ : الْمُتَشَابِه : يُشْبِه بَعْضه بَعْضًا . 23188
– حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { كِتَابًا مُتَشَابِهًا } قَالَ : يُشْبِه بَعْضه بَعْضًا , وَيُصَدِّق بَعْضه بَعْضًا , وَيَدُلّ بَعْضه عَلَى بَعْض .
في كلمة “مثاني” أتى التفسير التالي:
وَقَوْله : { مَثَانِي } يَقُول : تُثْنَى فِيهِ الْأَنْبَاء وَالْأَخْبَار وَالْقَضَاء وَالْأَحْكَام وَالْحُجَج . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ :23189
– حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { اللَّه نَزَّلَ أَحْسَن الْحَدِيث كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِي } قَالَ : ثنى اللَّه فِيهِ الْقَضَاء , تَكُون السُّورَة فِيهَا الْآيَة فِي سُورَة أُخْرَى آيَة تُشْبِههَا , وَسُئِلَ عَنْهَا عِكْرِمَة . 23190
– حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِي } قَالَ : فِي الْقُرْآن كُلّه . 23191
– حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { مَثَانِي } قَالَ : ثنى اللَّه فِيهِ الْفَرَائِض , وَالْقَضَاء , وَالْحُدُود . 23192
– حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { مَثَانِي } قَالَ : كِتَاب اللَّه مَثَانِي , ثنى فِيهِ الْأَمْر مِرَارًا . 23193
– حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { مَثَانِي } قَالَ : كِتَاب اللَّه مَثَانِي , ثنى فِيهِ الْأَمْر مِرَارًا . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { مَثَانِي } ثنى فِي غَيْر مَكَان. 23194
– حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { مَثَانِي } مُرَدَّد , رَدَّدَ مُوسَى فِي الْقُرْآن وَصَالِح وَهُود وَالْأَنْبِيَاء فِي أَمْكِنَة كَثِيرَة .
وفي كلمة “تقشعر”:
وَقَوْله : { تَقْشَعِرّ مِنْهُ جُلُود الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : تَقْشَعِرّ مِنْهُ سَمَاعه إِذَا تُلِيَ عَلَيْهِمْ جُلُود الَّذِينَ يَخَافُونَ رَبّهمْ { ثُمَّ تَلِينَ جُلُودهمْ وَقُلُوبهمْ إِلَى ذِكْر اللَّه } يَعْنِي إِلَى الْعَمَل بِمَا فِي كِتَاب اللَّه , وَالتَّصْدِيق بِهِ. وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْل أَنَّ أَصْحَابه سَأَلُوهُ الْحَدِيث . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ : 23195
– حَدَّثَنَا نَصْر بْن عَبْد الرَّحْمَن الْأَوْدِيّ , قَالَ : ثنا حَكَّام بْن سَلْم , عَنْ أَيُّوب بْن مُوسَى , عَنْ عَمْرو الْمَلَئِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه لَوْ حَدَّثْتنَا ؟ قَالَ : فَنَزَلَتْ : { اللَّه نَزَّلَ أَحْسَن الْحَدِيث } 23196
– حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ أَيُّوب بْن سَيَّار أَبِي عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ عَمْرو بْن قَيْس , قَالَ : قَالُوا : يَا نَبِيّ اللَّه , فَذَكَرَ مِثْله .
المشكلة الأولى التي كانت تواجهني هي كلمة “تقشعر منه” . فهذه الكلمة أتت مرة واحدة في مجمل القرءان ولهذا كان من الضروري أن نستعين بالمعاجم العربية لفهمها. وقد تبين لنا بأنها تدل على العوارض الجلدية التي تظهر للإنسان حين تصيبه رعدة أو إضطراب داخلي. (أنظر معجم المعاني) إذا هناك إضطراب وحالة نفسية مزعجة تحصل مع الشخص المؤمن حين ملاقاته لهذا الكتاب المثاني, وهي لا تعني الخوف كما فسروها في كتبهم.
ونلاحظ أن حرف الجر “ثم” في الجملة الثالثة يعطينا فارق ما بين الحالة الأولى وهي “إقشعرار الجلود” والحالة الثانية وهي “حين تلين جلودهم” والتي تدل في معناها على الراحة والإطمئنان الداخلي الذي ينتاب الإنسان حين يذكر ربه, حسب قوله (الا بذكر الله تطمئن القلوب). وهكذا نجد حرف الجر “ثم” في كثير من الآيات يوضح حالة إنتقالية من مرحلة لمرحلة أخرى مختلفة. بعض الأمثلة:
2:28 كيف تكفرون بالله وكنتم أموتا فأحيكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون
2:92 ولقد جاءكم موسى بالبينت ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظلمون
لهذا نقول لو كان المقصود في الآية أن الكتاب المثاني هو نفس كتاب القرءان في كلا الحالتين كما فسروها قديما فلماذا تنتاب الأنسان المؤمن القشعريرة منه. طبعا هذا لا يحصل إلا في حالة واحدة ألا وهي أن الكتاب المتشابه المثاني المذكور في الجملة رقم 2 ليس المقصود به القرءان, بل كتاب يحمل من القرءان بعضا منه ويستخدم في أحيان أخرى نفس الأسلوب القرءاني حتى أن الجاهل يظن بأنه وحي من عند الله مثله مثل القرءان.
فما هو هذا الكتاب المثاني؟
الأشارة الأولى نجدها في الجملة الأولى من الآية “الله نزل أحسن الحديث”. فمن خلال كلمة “أحسن” نفهم بأن هنالك حديث آخر غير الحديث الذي نزله الله. ونلاحظ أيضا وعلى الهامش بأن بعض الأحاديث تروي قصة, أن بعض أتباع الرسول طلبوا منه أن يحدثهم (أنظر في الاعلى الى الأماكن المعلمة بخطوط من تفسير الطبري) أو بمعنى آخر وفي أحاديث أخرى طلبوا من الرسول السماح لهم بتدوين أقواله وأفعاله مما أدى بتنزيل هذه الآية من سورة الزمر. هذا يعنى أن هذه الآية حسب تفسيرهم نزلت لتحذرهم أن هناك حديث آخر غير القرءان يطلبه أصحاب الفتنة ويعرفه المؤمن بإحساسه وفطنته حين يقشعر جلده منه. وهذا الإحساس العميق هو ,كما وضح لنا الله في الجملة الرابعة من الآية ومن خلال كلمة “ذلك” – أي ما ورد سابقا – هدى الله الذي يبين من خلاله الطريق الصحيح للمؤمن بكتابه.
وأما الكتاب المتشابه فيتركه رب العزة لهذا الإنسان المفتون يتخذه سبيلا لنفسه (ومن يضلل الله فما له من هاد).
ومع أن الله حذر الناس ونبههم بأنه هو فقط الذي ينزل الحديث الحق وأنه نزل لهم أفضل وأحسن الحديث وحكمة وشفاء لما في الصدور فقد بقيت الناس في ضلالها القديم يكتبون وينسبون لله ما لم ينزل به سلطان حتى أصبح كلام الناس, إن كان يحمل في طياته حكمة أو سفاهة أو خرافة, جزء لا يتجزء من الدين ومن بعد ذلك يقولون عنها أصح كتب بعد كتاب الله, فسبحان الله عما يشركون.
68:36 ما لكم كيف تحكمون
68:37 أم لكم كتب فيه تدرسون
68:38 إن لكم فيه لما تخيرون
الحمد لله رب العلمين