بسم الله الرحمن الرحيم
عندما تغيرت ضريبة الدخل للعامل في المانيا سنة 2007 وتحولت من 16% الى 19% كان هناك بعض المواطنين الذين شكلوا ضوضاءا معتقدين بأن هذه النسبة عالية جدا ولا يقدر عليها المواطن العادي. لكن من بعد التجربة تأكدت هذه الفئات بأن النسبة عادلة إذا توافقت مع راتب الفرد الكامل ومدخوله الصافي منه. فهي في الحقيقة لم يكن لها تأثير سلبي على معيشة المواطنين الشخصية من المدفوعات التي تترتب عليه كل شهر ولم تشكل خطرا على التوازن الإقنصادي الإجتماعي للدولة, بل بالعكس فقد درت هذه البادرة في تحسين الإقتصاد لمجمل البلاد الداخلية وحتى الخارجية لو إستدعى الأمر وقدمت فرص واسعة أمام الناس لدعم أفكارهم من الناحية الإقتصادية أو العلمية أو الإجتماعية, نذكر بعضا منها:
- الإقتصادية: دعم الشركات القابلة للتتدهور ماليا لتحسين مصدوراتها, دعم الأشخاص الذين يريدون بناء مشاريع جديدة لهم
- العلمية: دعم المؤسسات العلمية التي لا مدخول لها بتطوير إمكانياتها, دعم المدارس والجامعات والتعليم المهني بتطوير أساليبهم والتجارب العلمية
- الإجتماعية: تحسين بيت المال للفقراء والمساكين وابن السبيل, تحسين المؤسسات الخيرية, كدار الأيتام ومراكز المعاقين, تحسين المستشفيات ودور النقاهة, تحسين البنية الخارجية للمدن والشوارع العامة
وكما نلاحظ بأن هناك وظائف جمة ومختلفة تعتمد على هذه المبالغ التي يجب جمعها وتوزيعها بالشكل الذي يناسب إحتياجات المواطن, وليس من السهل على الدولة حاملة المسؤولية بتقديم كل هذه الأمور إلا إذا تم التعاون والوقوف معها في تأدية وظيفتها بالشكل الصحيح. فالمسؤولية لا تكون إلا إذا حملها كل شخص من أفراد المجتمع وساهم بإخلاص على تأديتها.
مفهوم الزكاة (الزكوة)
لقد عرّف أئمة الأديان الإسلامية كلمة “الزكاة” أو “الزكوة” حسب ورودها في القرءان على أنها تعنى دفع مبلغ مئوي من نسبة الأرباح ويقدم للأعمال الخيرية أو ما شابة وقد إتفقوا في ما بينهم بأن الزكاة تعادل 2,5% وتدفع سنويا دون رقيب, أي أن كل شخص يقدم هذه النسبة من تلقاء نفسه. ولكن الأسئلة التي راودتنا من بعد النظر والتفقه في كتاب الله القرءان هي كالتالي:
- من أين لهم بأن كلمة “الزكوة” تعني فقط دفع المال؟
- وكيف توصلوا لنسبة 2,5% من الأرباح؟
- ولماذا تدفع مرة واحدة في السنة؟
في الحقيقة لم تأتي كلمة “زكوة” ولو في آية واحدة منسوبة بدفع المال, بل وردت حوالي 59 مرة بجميع أشكالها التي ترجع لجذر الكلمة. وبشكل خاص وردت هذه الكلمة مرتبطة بـ “الصلوة” في أكثر من 26 آية, مثال:
2:43 وأقيموا الصلوة وءاتوا الزكوة واركعوا مع الركعين
وفي هذه الآية بالذات وآيات أخرى ينتابنا الفضول ونتسائل ما دخل الصلوة بما أنها العبادة الروحية لله ثم دفع المال لو كانت بالفعل كلمة “زكوة” تعني هذا, ثم الركوع مع الراكعين؟
لا نريد هنا نفي أن الزكوة هي دفع مال لو كان المقصود هو الإصلاح ولكنها لا تعنى هذا وحسب بل جميع الأمور المتعلقة بتزكية النفس. فالأنسان المؤمن قد يزكي نفسه بالعمل الخيري بجميع أشكاله مثل تقديم يد المساعدة لعابر سبيل على الأقل أو الدفاع عن المظلومين أو رد الفتن ومحاولة الربط الأخوي لأفراد مجتمعه كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإبتعاد عن الفواحش ما ظهر وما بطن أو تقديم الصدقات للفقراء والمحتاجين أو قراءة القرءان. فالصلوة وحدها غير كافية بأن تقربنا الى الله وصلاة الشخص الظالم لن تقيه العذاب ولن تشفع له وقت الحساب. وحتى تكون أوصاف المسلم المؤمن مكتملة من جميع النواحي فعليه أن يبقي صلته (الصلوة) مع الله ويقدم ما أمره الله بأن يؤتا (إيتاء الزكوة), ليس لهدف المراءاة بين الناس فهذه لا تزكى عند الله بل لمرضاته وليكون قدوة لأجيال صالحة.
53:32 الذين يجتنبون كبئر الإثم والفوحش إلا اللمم إن ربك وسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة فى بطون أمهتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى
ونلاحظ أيضا من الآية التالية بأن الصدقة هي كما قلنا لتزكية النفس وخصوصا التي خلطت عملا صالحا وآخر سيئا وهذا ما نقع به جميعا في حياتنا
9:103 خذ من أمولهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلوتك سكن لهم والله سميع عليم
الأنفال
لقد أنزل الله لنا كتابا مفصلا وحكما عربيا, أي أنه معرب لأقسام مختلفة نستخرجها لعلاج مشاكلنا الإجتماعية ومنها الأمور الإقتصادية لأهميتها. وحذرنا كما حذر الأقوام من قبلنا بأن لا نحكم إلا بما أنزل الله. فهل هناك حل أو قانون ينص بدفع نسبة من الأرباح وكم معدلها؟
8:1 يسءلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين
لقد فسر السلف كلمة “الأنفال” على أنها غنائم الحرب نسبة للأحداث التي وردت في السورة رقم 8 والمسماة بـ الأنفال, لكن لو نظرنا الى مرادفات هذه الكلمة في جميع الآيات التي وردت بها نجد بأنها لا تنحصر بالحرب وحدها وحسب, بل في أمور متعددة أخرى.
أولا كلمة “الأنفال” هي جمع لكلمة “نافلة” وتعنى – ما زاد من ربح عن نسبته المحددة, كالآية التالية:
17:79 ومن اليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا
فليس هناك صلاة بإسم “صلاة النافلة” أو “النوافل” كما يعتقد الكثير بل المقصود بها في هذه الآية الإضافات التي تكون من بعد العبادة المنصوصة, يريد بها المؤمن وجه ربه وتزداد مكانته عنده وهي في هذه الحالة المقام المحمود. كذلك نجد الكلمة قد استخدمت في الآية التالية لتوضح لنا الإضافة أو الزيادة التي وهبها الله لنبيه إبرهيم من البنبن من بعد أن رزقه الله بإسماعيل وهما إسحق ويعقوب.
21:72 ووهبنا له إسحق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صلحين
لهذا تأكدنا بأن كلمة الأنفال ليست محصورة على غنائم الحرب بل كل ما زاد عن حده من أرباح تم جنيها من الأعمال إن كانت في الحروب أو في المصانع أو الأعمال الحرة أو العبادة ألخ… وقد تم تعريف الأنفال المادية في الآية 8:1 ولمن تكون “قل الأنفال لله والرسول”.
أولا علينا أن نعلم بأن الله غني عن العلمين والأنفاق في سبيل الله هو من أسس الدين وقد وضعها الله لنا لتكون فتنة وامتحانا لمن يجاهد في سبيله بنفسه وماله ومن يركض وراء الدنيا ونسي الآخرة. أما كلمة “الرسول” هنا فقد تبين لنا في العديد الآيات أنها مرتبطة بالرسالة وليست بشخص النبي بالتحديد. فهو أيضا وجب عليه أن يدفع النافلة مثله مثل غيره للفقراء والمساكين ولنشر الرسالة في هذه الحالة وما تتطلبه من كتابة وتصدير للعالم أجمع.
متى تدفع الأنفال
الأنفال أو ضريبة الدخل هي كما وضحنا من أهم الأسس لبناء مجتمع متوازن, والأموال التى تم جمعها من الدولة يجب تصريفها وفي أسرع وقت ممكن للجهات المختصة ومنها الى الجهات المعنية, فعملية توزيع الأموال بالعدل والإنصاف ليست من السهولة تنفيذها ويجب أن تكون منسقة على أسس قانونية ومسجلة كما علمنا الله, بأن نكتبه صغيرا أو كبيرا, حتى لا نفتح بابا للسفهاء بالتصرف بأموال الناس دون علمهم.
6:141 وهو الذى أنشأ جنت معروشت وغير معروشت والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشبها وغير متشبه كلوا من ثمره إذا أثمر وءاتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين
لقد نبه الدكتور رشاد خليفة في أحد المقابلات له بأن العبارة “وءاتوا حقه يوم حصاده” ترجع لإيتاء الزكوة في وقتها. فهي تعطينا وصف المزارع الذي يجنى أرباح عمله ويعطي نسبة الأرباح في وقتها ودون التأخير. فكلنا مزارعون وكلنا نعمل في مجالنا لنحصد في نهاية الموسم أرباحا تعيلنا وتعيل عائلتنا والمجتمع من حولنا. فالأنفال الصادرة عن هذه الأرباح يجب أن يتم دفعها حسب الأعمال وبشكل تلقائي منصوص ومنسق من الدولة, فالعامل في مصنع يدفعها شهريا والمزارع في حقله يدفعها في نهاية الموسم الزراعي ألخ… ولا يمكن تركها للشهر أو الموسم القادم وهذا للأسباب التي ذكرناها في الأعلى. فالمؤسسات والخدمات الأجتماعية هي أيضا تنتظر هذه الأموال, فالفقير ينتظر والمساكين والمستشفيات والأيتام والمدارس وغيرها معتمد على هذه الأموال.
نسبة الأنفال 20 بالمئة
نسبة الأنفال ليست كما أفتوا بها أصحاب الأموال ليأكلوا نصيب الناس مما رزقهم الله, فالمعيار 2,5 بالمئة هي أكثر منها صدقة وتبرع ذاتي من أن تكون قانونا وجب على كل مسلم تطبيقه. والآية التي تحدد النافلة هي التالية من نفس السورة (الأنفال):
8:41 واعلموا أنما غنمتم من شىء فأن لله خمسه وللرسول ولذى القربى واليتمى والمسكين وابن السبيل إن كنتم ءامنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شىء قدير
ويجب علينا التنبه أن كلمة “غنمتم” التي تقصد الغنيمة ليست مرتبطة بالحرب وحسب وقد نجد الكلمة في تسمية هذا الحيوان الذي نقتات من لحمه ونستغل وبره للباس والأثاث وهو الغنم (20:18) و المغانم هي الربح الفائض في الجنة التي وعد الله عباده المتقين (4:94). لهذا فأي شيئ يكون غنيمة لنا وجب علينا أن نؤدي الخمس أي 20% منه على المذكورين في هذه الآية (لذى القربى واليتمى والمسكين وابن السبيل) وهم في عبارة أخرى المجتمع المحيط بنا من المحتاجين.
بإختصار
هذه مجرد دراسة بسيطة لبعض الكلمات القرءانية وانا لست متخصصا في علم الإقتصاد ولا يحق لي أن أفتي بها ولكننا علينا التذكير بالآيات أن تكون فيها عبرة تنفع المؤمنين من ذوي الإختصاص عسى أن تحسن حال المسلمين في جميع الأقطار
الحمد لله رب العلمين