بسم الله الرحمن الرحيم
العديد من الناس يطرحون السؤال عن بدئ خلق الإنسان وهل تمد نظرية داروين عن نشائة وتطور البشرية لأية علاقة بعملية الخلق كجزء من الطبيعة التي خلقها الله عز وجل. من نحن ومن أين أتينا؟ هل هناك أي إشارة في القرآن الكريم توضح لنا هذه النقاط وتعطينا الأجوبة على هذه الأسئلة؟
هنالك آيات عديدة ومتفرقة في القرآن الكريم تتكلم عن عملية خلق الإنسان وتطوره . ومن بعد أن جمعت هذه الآيات إتضحت لي العلاقة بينها وأعطتني الصورة الكاملة والجواب على السؤال الذي يدور في ذهن كثير من البشر. إذا كانت الطبيعة والكتب السماوية من خالق واحد فهي بالطبع لا تتناقض مع بعضها البعض. لذا حتى أوضح الفكرة التي أريد سردها في هذا الموضوع قمت بوضعها بقالب قصصي بسيط. ربما هنالك آيات وعدة نقاط لم أتطرق إليها ولكني أرجوا من الله عز وجل أن تكون هذه الآيات التي سيأتي ذكرها سبب لجعلنا نتفكر بها إن شاء الله.
عملية الخلق حسب ذكرها في القرآن
لقد خلق الله عز وجل السماوات والأرض لتكون المكان المناسب تعيش عليه مخلوقات كثيرة كالحيوانات والنباتات ومخلوقات قد نراها بالعين المجردة وكثير منها لا نعرف عنه شيئ ولكن ما نعلمه من الله أن عملية الخلق أتت على مراحل متعددة فعلى سبيل المثال إستغرقت عملية خلق السماوات والأرض 6 أيام وأن يوما عند الله كألف سنة من تعداد البشر أي أن هذه العملية إستغرقت في مفهوم البشر 6000 سنة:
ان ربكم الله الذي خلق السموت والارض في ستة ايام ثم استوى على العرش يغشي اليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرت بامره الا له الخلق والامر تبارك الله رب العلمين 7:54
ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وان يوما عند ربك كالف سنة مما تعدون 22:47
أما عملية خلق الأنسان فقد تمت بقدرة الله العظيم وعلمه بأن مصير الأنسان سيكون على الأرض كما توضح لنا الآية 2:30
2:30 واذ قال ربك للملئكة اني جاعل في الارض خليفة قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال اني اعلم ما لا تعلمون
لا بد من أن الملائكة الكرام كان عندهم شكوك بصدد القرار الذي أخذه الله وقد أحزنتهم الفكرة أن هذا المكان الجميل ينتهي إلى ساحة تملئها الحروب والدمار ولكن الله مولانا الحكيم قد أوضح لهم أنه لا جدال بحكمه وأن حكمته ستظهر لهم لو أنهم التمسوا الصبر ورضخوا لأمر الله الذي لا يخطئ أبدا.
إختصام من في الملاء الأعلى
لا بد وأن عملية خلق الأنسان أددت كما توضح لنا الآية الكريمة الآتية لخصام الملائكة (38:69) فمنهم من رضخ لأمر الله عز وجل ومنهم من لا زالت عنده الشكوك بأن حكم الله لا يجلب أي نفع لهم ولا بد من إيقافه ولكن الله غالب على أمره حتى ولو كره البعض منهم هذا الحكم وأضمروا في أنفسهم (2:33) ما الله مبديه.
38:69 ما كان لي من علم بالملا الاعلى اذ يختصمون
قال يءادم انبئهم باسمائهم فلما انباهم باسمائهم قال الم اقل لكم اني اعلم غيب السموت والارض واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون 2:33
خلق الأنسان
لقد خلق الأنسان على الأرض (أنظر الآيات 20:53 إلى 20:55) أي نشئ ومر كأي شيئ خلقة الله بعدة مراحل كما توضح لنا الآيات الأتية . فبدئ خلق الإنسان كانت من طين الأرض التي تكونت وانصهرت بقدرة الله لتصبح شكلا معينا (32:7 و 55:14) هذا التكون لم يعطي للإنسان القدرة على الحياة بل هي روح الله الحي التي نفخها به بعد خلقه من الطين لتعطيه هذه القدرة (32:9) . الكائن الحي الجديد تطور ونمت له فيما بعد قدرات السمع والرؤية والإحساس حتى أصبح متكامل كما تأكد لنا الآية 82:7 فبالبداية كانت عملية الخلق المشحونة بتراب الأرض وماءها ومن بعدها تسويت الأنسان ليكون له الشكل الذي هوعليه والعملية الأخيرة هي عدله ليكون له قامة تفرقه عن باقي الحيوانات. لنتأكد من هذا أنظر إلى حرف ال (ف) في كلمة فسواك التي تأكد لنا أن عملية تسوية الإنسان وعدله أتت من بعد عملية الخلق (82:7) وأن عملية نفخ الروح أتت من بعد تسوية الإنسان (32:9).
20:53 الذي جعل لكم الارض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وانزل من السماء ماء فاخرجنا به ازوجا من نبات شتى كلوا وارعوا انعمكم ان في ذلك لاءيت لاولي النهى 20.54 منها خلقنكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى 20:55
الذي احسن كل شيء خلقه وبدا خلق الانسن من طين 32:7
خلق الانسن من صلصل كالفخار 55:14
ثم سوه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والابصر والافءدة قليلا ما تشكرون 32:9
الذي خلقك فسوك فعدلك 82:7 في اي صورة ما شاء ركبك 82:8
الحلقة المفقودة
من بعد أن تكون الأنسان وتطور وأصبحت له قدرة التميز والتفكير بحد ذاته دعاه الله الكريم ليسكن هو وزوجته الجنة التي هي كما وضحها لنا الله عرضها السماوات والأرض (3.133) أي أنها ليست هذه الأرض الصغيرة التي نعيش عليها في وقتنا الحالي. بهذا يكون الأنسان قد إنتقل من الأرض إلى السماوات العلى وبهذا يكون الأنسان قد فقد من الأرض ليكمل حياته في الجنة.
وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموت والارض اعدت للمتقين 3:133
وقلنا يءادم اسكن انت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظلمين 2:35
هذا المكان الجديد المليئ بجودة الأطعمة والحياة الرغدة أعطت لبشرة الأنسان النضارة والجمال الذي لم يحوذ عليهم وهو على الأرض فخشونة منظره التي كان عليها تلاشت مع مرور الزمن ليكون عنصر مختلف على ما كان عليه سابقا. الآية 83:24 تعلمنا أن وجوه أهل الجنة من نعمة الله عليهم تضرة أي نقية وخالية من الشوائب .
تعرف في وجوههم نضرة النعيم 83.24
الرجوع إلى الأرض
وعلم ءادم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملئكة فقال انبءوني باسماء هؤلاء ان كنتم صدقين 2:31
لقد عاش أدم وزوجته أمد طويل في الجنة وتعلم من علم الله بكثرة وبسرعة (20:114 و 115) جعلت ثقته بنفسه تفوق الحد حتى أنه أخذ على عاتقه أمور كانت من المستحيل عليه حملها ولكنه ظن أن قدراته البشرية ستمكنه من الوصول لأي هدف يدور في ذهنه (33:72). فلا بد وأن ظهور الشيطان في حياته هو من أحد العوامل التي أددت إلى توضيح الكبرياء الذي وصل إليه (7:20) هذا الكبرياء الذي أتاح الفرصة أمام الشيطان بالتخلص من البشر بجعلهم يرتكبوا نفس الخطاء الذي وقع هو نفسه به (15:39).
فتعلى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرءان من قبل ان يقضى اليك وحيه وقل رب زدني علما 20:114 ولقد عهدنا الى ءادم من قبل فنسي ولم نجد له عزما 20:115
انا عرضنا الامانة على السموت والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسن انه كان ظلوما جهولا 33:72
فوسوس لهما الشيطن ليبدي لهما ما وري عنهما من سوءتهما وقال ما نهكما ربكما عن هذه الشجرة الا ان تكونا ملكين او تكونا من الخلدين 7:20
قال رب بما اغويتني لازينن لهم في الارض ولاغوينهم اجمعين 15:39
معرفة الله العليم الخبير بكل الأمور التي حصلت والتي ستحصل ورحمته عز وجل قدمت الفرصة أمام الإنسان والجن ليقفوا بوجه مرءاتهم ويتعرفوا من خلال تجاربهم على الأخطاء الفادحة التي أددت بهم إلى هاوية الظلمات. هذه الفرصة المكونة من العيش على الأرض إلى أمد حدده لنا الله الكريم يبعث لنا رسالته التي توضح لنا طريق العودة والعيش تحت رحمته وتعلمنا أن حكمته أوسع من أن يستوعبها أي مخلوق كان. هذا الدرس قد يكون درسا ليس فقط للبشر بل للجن والملائكة المقربون حتى يعلموا إن أراد الله شيئا فهو خير الحاكمين ولا مرد لحكمه سبحانه وتعالى.
فازلهما الشيطن عنها فاخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقر ومتع الى حين 2:36
قلنا اهبطوا منها جميعا فاما ياتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون 2:38
آدم الذي لم يرضخ لهذه النقطة المهمة أنه ليس هناك أي مخلوق بوسعه فهم جميع الأمور التي يقوم بها الله العظيم ظلت هذه الشجرة التي نهي عنها عالقة في ذهنه مما جعلت الشكوك تراود عقله ويقوم بفعلته التي لم يقدر على ان يصبر امامها وقد أملا له الشيطان وبدأ يأكل من الشجرة وهو يعتقد انه سيصبح من الملائكة ويكون له قدراتهم .
فوسوس لهما الشيطن ليبدي لهما ما وري عنهما من سوءتهما وقال ما نهكما ربكما عن هذه الشجرة الا ان تكونا ملكين او تكونا من الخلدين 7:20
لا بد وأن هذه الشجرة كانت الإمتحان الذي بيين لآدم سؤ ظنه بالله واعتقاده الخاطئ بإن الله عز وجل لا يريد لآدم ان يترقى ليصبح بدرجة الملائكة المقربون وبهذا الشك فقد آدم القدرة بأن يبقى في هذا المكان الذي خصصه الله الكريم لعباده المخلصين فقط (ومن يقنط من رحمة الله يهوي من السماء)
حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكانما خر من السماء فتخطفه الطير او تهوي به الريح في مكان سحيق 22:31
الموتة الأولى ومدرسة الحياة
بالطبع يتسائل الكثير عن الموت. أين يذهب الإنسان عند الموت؟ هل يكون الموت هو فناء الإنسان؟ أم يفقد الإنسان جسده فقط وتنتقل روحه من مرحلة إلى أخرى؟
لقد تأكدنا أن الإنسان في حالة نومه يفقد إلى حد ما السيطرة على جسده وتخرج روحه من هذا العالم لتنتقل إلى عالم آخر له مزايا ومواصفات قريبة لعالمنا هذا. ففي المنام نحصل على جسد آخر وتكون لنا نفس القدرات التي نعيشها في حالة اليقظة أو ربما أكثر من ذلك. فإننا نستطيع التكلم والإصغاء وأخذ وجبات الطعام والتلذذ بها وحتى شم الروائح والتفريق بينها. الفارق الوحيد بين حالتي النوم واليقظة هو أننا لو تحدثنا عن المنام فإنه يصبح لدينا في المرحلة الماضية وبهذا تتلاشى في فكرنا أنه قد حصل بالفعل. أما في وقت حدوثه فلا يكون لدينا الشك أنه الواقع الذي نمر به. ولو طرحت السؤال عن الفرق بين الطعام الذي تناولته في الأمس وعن والطعام الذي تناولته في منامك فلن تجد لهما فارقا فكلاهما قد حصل في الماضي.
لقد أخبرنا الله عز وجل بأن الروح تنتقل في منامها وتذهب إلى ربها بنفس الطريقة التي تذهب بها روح الإنسان عند وفاته من على الأرض (39:42) لينتقل من مرحلة إلى مرحلة أخرى ربما تكون الترقي والعودة إلى الجنة أو الهبوط والرجوع إلى الأرض.
الله يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الاخرى الى اجل مسمى ان في ذلك لاءيت لقوم يتفكرون 39:42
أما الآية (44:56) توضح لنا أن أهل الجنة يذوقون موتة واحدة فقط ومن بعد ذلك يترقوا ويعيشوا حياتهم في الجنة خالدين فيها ما شاء الله وأهل النار يموتوا مرتين وبهذا لم ينجوا بالخروج من الجحيم كما توضح لنا الآية (40:11) ويعيشوا خالدين فيها إلا ما شاء الله.
لا يذوقون فيها الموت الا الموتة الاولى ووقهم عذاب الجحيم 44:56
قالوا ربنا امتنا اثنتين واحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل الى خروج من سبيل 40:11
لقد مر البشر وأولهم أبانا آدم بالموتة الأولى ليتحملوا عواقب الكبرياء الذي لا يقدر أي مخلوق بإخذه على عاتقه إلا الخالق العظيم الذي بيده ملك السماوات والأرض وأما البشر فقد أخطئوا بإعتقادهم أنهم بمقدرتهم تحريك أي شئ دون مشيئة الله عز وجل وبذلك ظلموا أنفسهم بإفترائهم الكذب دون التفكير بالعواقب. لكن الله مولانا رؤوف رحيم بعباده وهو الذي كتب على نفسه الرحمة ليعطي للإنسان والجن الفرصة وللمرة الثانية قبل أن تذهب ريحهما ويموتا موتتهم التي لا رجوع من بعدها.
فتلقى ءادم من ربه كلمت فتاب عليه انه هو التواب الرحيم 2:37
الكلمات التي تلقاها البشر من ربهم ليست هي من تأليفهم ولا من إعتقاداتهم المليئة بالظن بل هي الحق من ربنا وكفى بالله وكيلا وشهيدا.
الحمد لله رب العلمين