بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم رشاد خليفة
لقد اعتاد الناس على قول أن النبي محمد عليه السلام كان جاهلا بالقراءة والكتابة ، ورسخ في اعتقادهم أن النبي محمدا لم يكن يستطيع أن يقرأ القرآن ولا يستطيع أن يكتبه . واعتبر المسلمون أن هذا من قبيل الإعجاز أن يأتي شخص لا يعرف القراءة والكتابة بمثل هذا الكتاب المبهر .ا
وكان السبب الرئيسي وراء هذا الاعتقاد وانتشاره هو الفهم الخاطئ لمعنى كلمة ( أمي ) التي وردت في العديد من الآيات القرآنية ووصف بها النبي محمد في القرآن الكريم ، وكذلك كثرة النطق بها من قبل علماء المسلمين وشيوخهم وتأكيدهم المستمر على أن معنى هذه الكلمة هو عدم معرفة القراءة والكتابة ، بل إن من المؤسف أيضا وجود هذا المعنى في العديد من المعاجم العربية الأصلية حيث ترد معنى هذه الكلمة بها بمعنى الجهل بالقراءة والكتابة .ا
وهدف هذه السطور هو تصحيح معنى هذه الكلمة وردها إلى مفهومها الحقيقي وهو:ا
الأمي : هو الذي ليس لديه علم من الكتب السماوية وليس معناها من يجهل القراءة والكتابة . فلو أنك تعرف القراءة والكتابة و تنتمي لأمة أنزل الله عليها كتابا من السماء مثل اليهود والنصارى أو المسلمون ولكنك لا تعرف من كتاب الله شيئا وتجهل به وبأحكامه فأنت بحكم القرآن ( أمي ) . والسطور التالية ستشرح بالتفصيل معنى هذه الكلمة وتثبت لك أن النبي محمدا هو أول كاتب للقرآن الكريم .ا
والآن ما هى الأدلة على هذا المفهوم :ا
الأدلة القـرآنية
سورة الجمعة هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)ا
دعنا نفكر هنا لو أننا فهمنا كلمة الأميين على أنها تعنى ( الذين لا يعرفون القراءة والكتابة ) لتناقض معنى الآية مع بعضه البعض ولأصبح معنى الآية أن الله قد أرسل رسوله إلى من لا يعرفون القراءة والكتابة فقط لكي يتلو عليهم آياته ويعلمهم الكتاب والحكمة لأنهم كانوا من قبل هذا الرسول في ضلال مبين ، وهنا يتبادر إلى الأذهان سؤالين هما :ا
ـ هل بعث الله هذا الرسول المنصوص عليه هنا لمن لا يعرفون القراءة والكتابة فقط أم لكل الناس الجاهلون بالقراءة والذين يقرئون ؟ طبعا الإجابة واضحة وهى أن الله قد أرسل هذا الرسول إلى كل الناس
ـ لو فهمنا كلمة الأميين هنا على أنها من يجهلون القراءة والكتابة لأصبحوا هم وحدهم الذين ينطبق عليهم قول المولى عز وجل في هذه الآية (وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) فهل هذا صحيح ؟
بالطبع لا ، الإجابة الصحيحة هي أن كل الناس كانوا في ضلال مبين قبل نزول هذا الكتاب .ا
وبالتالي نجد أن هذه الآية تدفع قارئها إلى قبول معنى واحد فقط لمعنى كلمة الأميين وهو من لم ينزل عليهم كتاب من الله .ا
سورة آل عمران وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)ا
في هذه الآية يتحدث الله إلى النبي ويخبره أن بعض أهل الكتاب أمين يرد دينه بدون أن تكتب عليه ما يثبت الدين وبعضهم غير أمين لا يرد دينه إلا إذا كتبت عليه الدين ( ما دمت عليه قائما ) والآن هل يعقل أن يحدث الله النبي الذي يجهل الكتابة هكذا ويقول له ( إلا ما دمت عليه قائما ) ؟؟؟ أم أن هذا النبي يعرف الكتابة والقراءة .ا
لاحظ هنا أن الآية استخدمت تعبيرين أهل الكتاب والأميين وذلك للدلالة على أنهما مختلفان تماما وبالطبع لا يعقل أن يقولوا أنه حلال لهم أكل مال الذين لا يعرفون القراءة والكتابة فقط وذلك لمجرد أنهم لا يعرفون القراءة الكتابة بل إن الأمر يتعلق بالديانة أهل الكتاب لهم دين ولهم كتاب والآخرين ليس لهم دين ولا كتاب فلا بأس من أكل أموالهم في اعتقادهم .ا
سورة آل عمران فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِي لِلَّهِ وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)ا
هذه الآية أيضا تؤكد معنى أن الأميين هم الذين لم ينزل عليهم كتاب من الله ، لقد استخدم الله التعبيرين مرة أخرى مترادفين بجانب بعضهما البعض ليرينا ويعلمنا أنهما متعاكسان تماما في معناهما قوم لهم كتاب هم أهل الكتاب وقوم ليس لهم كتاب هو الأميين .
ولو أنك حاولت فهم كلمة الأميين هنا على أنها ( الذين يجهلون القراءة والكتابة ) لأصبح معنى الآية مختلا حيث لا يعقل أن يطلب الله من النبي أن يوجه كلامه لأهل الكتاب ومن يجهلون القراءة والكتابة فقط !!! أليس كذلك ؟؟
بينما يتضح ويكتمل المعنى عندما تفهم الآية على أنها أمر لكل الناس أهل الكتاب منهم ومن لم يؤتى كتابا بأن يسلموا لله رب العالمين .ا
سورة البقرة وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78)ا
مرة أخرى يورد لنا الله كلمة أميون قريبة من كلمة الكتاب في هذه الآية بل ويصف بها أهل الكتاب أنفسهم الذين أنزل عليهم الكتاب ، ويصف الجاهلين بكتابه من أهل الكتاب بكلمة ( أميون ) بل ويشرحها مولانا عز وجل بقوله ( لا يعلمون الكتاب إلا أماني ) أي لا يعلمون عنه إلا القليل وإن هم إلا يظنون ، يخمنون .ا
سورة الفرقان وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6)ا
هذه الآيات تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن النبي محمدا كان يستطيع القراءة والكتابة حيث أن الله يخبرنا في هذه الآيات أن الذين كفروا كانوا يتهمون النبي محمدا أنه يفتري هذا القرآن وأنه قد جاء بأساطير الأولين وقام بكتابتها بل أن هناك من كان يساعده في ذلك ويقوم بالإملاء عليه .ا
فهل يعقل أن يتهمه الكافرون بهذا وهو لا يعرف القراءة والكتابة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
سورة القلم اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)ا
هل تعتقد أن يبدأ الله وحيه لرجل لا يعلم القراءة والكتابة فيقول له اقرأ ؟
ويكون هذا الرجل جاهلا بالقراءة والكتابة ؟ !! وبفرض أن هذا قد حدث ألا تعتقد أن النبي محمدا كان لديه من الحس والعلم ما يدفعه لأن يتعلم القراءة والكتابة فورا ؟؟
سورة العنكبوت: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)ا
هذه الآية تثبت أيضا أن النبي محمدا كان يتلو القرآن وكان يكتبه بيده حيث أن الله ينفى عنه في هذه الآية تلاوة أي كتاب من قبل القرآن وينفى عنه كتابة أي كتاب سماوي قبل القرآن ، أو بكلمات أخرى يريد الله أن يخبرنا أن النبي محمد كانت أول قراءة له في الكتب السماوية كانت في القرآن وأول كتابة له من الكتب السماوية كانت للقرآن .ا
أثبت الإعجاز العددي للقرآن الكريم أن الطريقة التي كتبت بها حروف وكلمات القرآن الكريم لا يمكن أن تكون بمحض الصدفة بل لابد أن تكون مقصودة ومرتبة بالشكل الذي وجدت عليه فمثلا:ا
ـ كلمة مكة وردت في سورة البقرة باسم ( بكه ) ولو أن كتبة الوحي كتبوا هذه الكلمة لكتبوها مكة بالميم وليس بالباء وهذا دليل على أن النبي محمد هو الذي كتبها بكه بنفسه ، وحتى لو آمنا أنه أملاها لغيره لوجب عليه أن يعرف الحروف حتى ينبه أن هذه الكلمة بالذات بالباء وليست بالميم ككلمة مكة المعروفة للناس أجمعين .ا
ـ كلمة الأيكة كتبت في القرآن أربعة مرات بكتابتين مختلفتين كالآتي:ا
سورة الحجر وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78)ا
سورة الشعراء كَذَّبَ أَصْحَابُ لئيكةِ الْمُرْسَلِينَ (176)ا
وفى كل مرة تتفق طريقة الكتابة مع الإعجاز العددي في القرآن الكريم .مما يدل أن طريقة الكتابة مقصودة ويعلم كاتبها ماذا يكتب وكيف يكتب وحتى لو كان النبي محمد هو الذي يملى على الكتبة لما أمكنه أن يفعل ذلك بدون أن يعرف القراءة والكتابة
الأدلة التاريخية
اقترح عمر بن الخطاب على النبي عليه السلام بتعليم كل فرد من المشركين الذين أسروا في غزوة بدر عشرة من المسلمين الذين يجهلون القراءة الكتابة وقد شهد التاريخ أن النبي قد أخذ برأيه ، فلو كان النبي يجهل القراءة والكتابة لكان أولى به أن يتعلم هو القراءة والكتابة من أن يأمر المسلمين بالتعلم .ا
من المعروف أن النبي محمد كان تاجرا موفقا واستمر يتاجر لزوجته خديجة بنت خويلد طوال عمرهما معا ومن المعروف أن الأرقام لم تكن تكتب كما كانت تكتب الآن 1، 2 ، 6 …….. الخ بل كانت تكتب حروفا فمثلا الرقم 1 يكتب ( أ ) والرقم 2 يكتب ( ب) وهكذا وهذا يثبت أن النبي كان يعرف الأرقام لكونه تاجرا وبالتالي يعرف القراءة والكتابة .ا
كانت عائلة النبي محمد من أغنى عائلات قريش وقد رباه عمه أبو طالب مع ابنه على الذي كان يجيد القراءة والكتابة بشهادة التاريخ ومن المعروف أن النبي وعلى بن أبى طالب متقاربان في السن فكيف يمكن أن يتعلم على القراءة والكتابة ويجهلها ابن عمه محمد الذي يعيش معه في بيت واحد ؟ !!!!ا
والآن ليسأل كل مسلم نفسه هل تحب أن يكون رسول الله جاهلا لا يعرف القراءة والكتابة أم تحب أن يكون متعلما يجيد القراءة والكتابة ؟ علينا نحن المسلمين أن نعيد تصحيح ما زور من حقائق ديننا وأن نعيد لتاريخ رسول الله الكريم محمد حقه وأن نعلن للناس أجمعين أن نبينا كان قارئا كاتبا من خيرة قومه وأهله . ويجب علينا أن نتحقق مما يقوله علمائنا وشيوخنا فأغلب ما ينطقون به زور وبهتان ولا يمت إلى الواقع أو إلى الحقيقة القرآنية بصلة