بسم الله الرحمن الرحيم
في سورة الشمس: لنقرأ أول 4 أيات, مرادنا تدبرها سويا إن شاء الله ومحاولة فهم ما هو المقصود من وراء هذه العبر الإلهية.
91:1 والشمس وضحىها
91:2 والقمر إذا تلىها
91:3 والنهار إذا جلىها
91:4 واليل إذا يغشىها
نقول ونردد لكل من أتقى وتوكل على الرحمن في فهم الذكر الحكيم أن الله لا يأتي بآية إلا وأتى بأحسن تفسير لها. ولقد ظن المسلمون أن المفسرين من السلف قد فهموا القرءان ورموزه كليا, معتقدين أن هؤلاء لا يخطؤا ابدا, آخذين بها دون تدبرها بأنفسهم, متكلين عليها إتكالة عمياء مما أدى لتوقف حالهم وعدم تقدمهم وتخلفهم فكريا. من قبل أن نتدبر هذه الآيات الأربعة نود إظهار طريقة شرح السلف لهذه الآيات وخصوصا الآية رقم 2 التي تشاكلت عليهم وتشاكلت على كثير من الناس بعدهم.
تفسير الطبري:
وقوله : ( والقمر إذا تلاها ) يقول تعالى ذكره : والقمر إذا تبع الشمس ، وذلك في النصف الأول من الشهر ، إذا غربت الشمس ، تلاها القمر طالعا .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا عبد الملك ، عن قيس بن سعد ، عن مجاهد ، قوله : ( والقمر إذا تلاها ) يعني : الشمس إذا تبعها القمر .
أعتقد الكثيرون – كما أتى في تفسير الطبري – أن كلمة “تليها” تعني أن “القمر يأتي من بعدها أو يتبعها”, وهذا المفهوم دخل أيضا في قواميس اللغة العربية مما أدى لعدم فهم الآيات بالشكل الصحيح. ولو أنا رددنا هذا المصطلح للقرءان لوجدنا أن كلمة “تلىها” هي من مشتقات الجذر “تلو” ومعناها الصحيح نجده في آيات كثيرة من القرءان. ففي الآية 98:2 نجد مثال واحد يكفي بأن يعطي الصورة المطلوبة لهذه الكلمة:
98:2 رسول من الله يتلوا صحفا مطهرة
فمعنى كلمة “تلو” ومنها “التلاوة” لا تعني “السير وراء شيئ ما أو أتباعه” بل تعني: الأخذ بالشيئ من أصله وإعادة ترتيبه بطريقة أخرى وحسب الإمكانية. فالرسول عندما يتلوا الصحف المطهرة فهو بذلك يأخذ من الكلام المدون على الورق ويردده بفمه لكلام مسموع. وهذه هي نفس العملية التي يقوم بها القمر (الآية 91:2) حين يقتبس أشعة الشمس ويعكس نورها وهو في ذلك يقوم بتلاوة الشمس. وهذا أيضا ما بينه لنا المولى في آيات آخرى التي تتكلم عن كيفية الشمس والقمر:
10:5 هو الذى جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الءايت لقوم يعلمون
71:16 وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا
وهنا يتوضح لنا الفارق ما بين كلمة “ضوء” وكلمة “نور” في معانيهما, فالأولى “الضوء” هي الأشعة الصادرة عن النار المتوهجة بشكل خاص:
2:17 مثلهم كمثل الذى استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم فى ظلمت لا يبصرون
أما القمر فعمليته تكمن في عكس الضوء الناتج عن الشمس ولهذا نراه منيرا بضوءها. طبعا هذا الفارق بين “الضوء” و “النور” يجعلنا نتفكر من جديد بآيات عدة التي تأتي بها كلمة “نور” ومن أهمها الآية 35 من سورة النور:
24:35 الله نور السموت والأرض مثل نوره كمشكوة فيها مصباح المصباح فى زجاجة الزجاجة كأنها كوكب درى يوقد من شجرة مبركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضىء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدى الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثل للناس والله بكل شىء عليم
سأترككم إن شاء الله مع الآية الأخيرة في هذه المقالة داعيا الله ربنا الحق أن يزيدنا علما وإيمانا
الحمد لله رب العلمين