سورة لعم النبي

بسم الله الرحمن الرحيم

كما ذكرنا في عنوان المقالة “سورة لعم النبي” قاصدين بهذا سورة المسد (111) والتي تأتي قبل سورة الإخلاص (112) مباشرة. سورة الإخلاص هي التوحيد الخالص لله جل جلاله وفيها يكمن الفكر والعقيدة الإسلامية كما نزلت على جميع شعوب العالم. أما عن سورة المسد فنرى أن الفئات الإسلامية قد ربطتها بشخص تاريخي لم يلعب دورا ذات أهمية في الدين الإسلامي وبهذا يريدون إيهامنا بأن سبب نزول السورة هو عم النبي “عبد العزى بن عبد المطلب” الملقب ب “أبو لهب”.

111:1 تبت يدا أبى لهب وتب
111:2 ما أغنى عنه ماله وما كسب
111:3 سيصلى نارا ذات لهب
111:4 وامرأته حمالة الحطب
111:5 فى جيدها حبل من مسد

والقصة التي وردت في أسباب نزول هذه السورة حسب إدعائهم هي كالتالي:

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: { تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } قال: التبّ: الخسران، قال: قال أبو لهب للنبيّ صلى الله عليه وسلم: ماذا أُعطَى يا محمد إن آمنت بك؟ قال: ” كمَّا يُعْطَى المُسْلِمُونَ ” ، فقال: مالي عليهم فضل؟ قال: ” وأيَّ شَيْءٍ تَبْتَغِي؟ ” قال: تباً لهذا من دين تباً، أن أكون أنا وهؤلاء سواء، فأنزل الله: { تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ } يقول: بما عملت أيديهم.

والأسألة التي راودتنا هي:
هل يستحق هذا الرجل عم النبي بأن تنزل سورة كاملة بخصوصة؟
وما هو الدور الذي لعبه هو وزوجه في التاريخ؟
ولو نزلت سورة بهذا الشخص العنيد أفلا يحق لفرعون وأمثاله الذين كانوا أشد كفرا أن تنزل بهم سورة؟

الألقاب لشخصيات مميزة

لقد تعودت العرب بتلقيب شخصا ما حسب صنعته أو مهارته بهذا الشيء بوصفه ب “الأب” وإن كان يعاني من حالة معينة وتحت تأثيرها فيكون وصفه ب “الإبن“, على سبيل المثال التعبير “إبن السبيل” وهو الشخص الذي لا سكن له بسبب معاناته من الفقر والحاجة وقد نجده في كثيرا من المدن يعيش على فضلات الآخرين وينام في الشوارع وتحت الجسور أو في الحدائق العامة, والمعروف في الغرب بلقب “Homeless” ومعناها “بلا بيت” وما سمته العرب ب “المتشرد“. وأما عن التعبير “أب” فنجده في ألقاب مثل:  “أبى الفلاح” ,”أبى النصر” أو حتى “أيى جهل” الذي برع بجهله بين الناس مع أن الله أمرنا أن لا نلقب الناس بألقاب مشينة بهم حسب الآية 49:11:

49:11 يأيها الذين ءامنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمن ومن لم يتب فأولئك هم الظلمون

نقول أن القرءان يفسر نفسه بنفسه ولا يعتمد على أفكار خارجية وقصص خرافية, وصلاحيته تكون لجميع العصور فاللقب “أبى لهب” لا بد أن يكون لشخص لعب دورا مهما في العصور السالفة وما زال يلعب دوره في عصرنا الحالي. وأنا أعتقد أن كل إنسان مؤمن بكتاب الله وكلماته سيعرف من هو هذا الشخص الذي يدعوا أولياءه ويحثهم إلى نار جهنم ولهذا تم تلقيبه ب “أبى لهب”.

نعم أخي المسلم أنه هو نفس الشخص الذي ورد ذكره في عدة أيات وهو الذي أخرج أبوينا بخدعته من الجنة والذي هو سبب الكارثة التي راح ضحيتها الكثير من الناس “إبليس”!

فإن هذه السورة التي سميت “المسد” هي دعاء المؤمن والمعوذة التي تقينا من فتنة هذا الشخص, مثلها مثل المعوذتين اللتا تأتيان من بعد هذه السورة وهما “الفلق” و “الناس”.

وهل لإبليس مال وإمرأة؟

نعم فأموال الحرام هي الأموال التي شارك بها الشيطان وأصبح له نصيب منها:

17:64 واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم فى الأمول والأولد وعدهم وما يعدهم الشيطن إلا غرورا

وأمرأة الشيطان ما هي إلا الحاملة لبذرته الفاسقة والتي لا تلد إلا فاجرا كفارا كما وصفهم نبي الله نوح:

71:27 إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا

هذه المرأة “حمالة الحطب” التي لا تلد إلا من كان لجهنم حطبا:

72:15 وأما القسطون فكانوا لجهنم حطبا

وعندما يتكلم الله عن النساء الحاملات فليس المقصود أنهم يحملن على ظهورهن أو في أعناقهن كما فسرها البعض, بل ما يحملن في بطونهن. وكلمة “الحمالة” أتت على وزن “الفعالة” أي المواظبة على إنجابها جيل بعد جيل.

22:2 يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكرى وما هم بسكرى ولكن عذاب الله شديد

7:189 هو الذى خلقكم من نفس وحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشىها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن ءاتيتنا صلحا لنكونن من الشكرين

وأما بالنسبة للآية الأخيرة من هذه السورة نجد أن أهل التفسير السلفي تشاكلت عليهم وقد ترجموا كلمة “جيدها” على أنها “العنق” ولكن كلمة عنق متواجد في عدة آيات من القرءان كما هي في الأية 34:33 :

34:33 وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر اليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلل فى أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون

فلماذا لم يقل الله “في عنقها” بدلا عن “في جيدها”؟

بالطبع نرى أن محاولة تغير المعنى لهذه الكلمة حتى تتناسب مع المرويات لا ينطوي إلا على من ليس له علم وهي محاولة تضليل بدلا من أن يكون لها نفع. فهذه الكلمة “جيد” هي في الأحرى مصطلح أتى من الفعل “جدد” ومنه صدرت كلمات عدة, كالمصطلح “جديد” الذي نجده في عدة آيات:

13:5 وإن تعجب فعجب قولهم أءذا كنا تربا أءنا لفى خلق جديد أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلل فى أعنقهم وأولئك أصحب النار هم فيها خلدون

الذين كفروا هم في خلق جديد, وبهذا يكون “الجيد” هو المكان عند إمرأة إبى لهب “إبليس” الذي ينشأ به هذا الخلق. وهذا الإسم “جيد” ليس من الممكن بتسميتة “رحم” لأن كلمة “رحم” لها عدة معاني مثال “رحم المرأة” أو “اولوا الأرحام” وجميعها مشتقة من “الرحمة” البعيدة كل البعد عن هؤلاء الذين رضوا بالحياة الدنيا.

ولو نظرنا لصورة الجنين بالجانب لرأينا هذا الحبل الملتف “الحبل السري” وكلمة “مسد” تعني أيضا “إلتفاف” كما وردت في المعاجم.

كما توضح لنا أن اللقب “أبى جهل” ليس إلا لهذا الرجيم الذي ستكون ذريته وقود النار:

2:24 فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التى وقودها الناس والحجارة أعدت للكفرين

في الحقيقة نحن لا نعلم شيئا عن عم الرسول “عبد العزى بن عبد المطلب” إلا من خلال المرويات التي قد تكون ليست إلا تلفيق وكذب للطعن بءال بيت النبي محمد. أوليس عم الرسول من ءال البيت؟ فكيف يحق لنا إتهامهم بهذه التهمة العظيمة دون أدلة ونجعلهم في مرتبة الكفار.

ألا تعتقد أنها لعبة الشيطان ليبعد عن نفسه الشبهات ويلصقها بأقرب الناس للرسول؟

الحمد لله رب العلمين