هاروت وماروت, من الملائكة أم الملوك

بسم الله الرحمن الرحيم

2:102 واتبعوا ما تتلوا الشيطين على ملك سليمن وما كفر سليمن ولكن الشيطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هروت ومروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشترىه ما له فى الءاخرة من خلق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون

لقد قمنا في ترجمتنا للقرءان باللغة الألمانية بترجمة كلمة “الملكين” الموجودة في الآية 102 من سورة البقرة على أنهما ملِكين (بكسر حرف اللام) من الملوك البشر وليسا من الملائكة وهذا لأسباب متعددة نذكرها كالتالي:

أولا: هناك بعض الكلمات المتشابهة في القرءان التي لا يعرف معناها بدقة إلا من خلال وضعها في حالة الجمع:

عين = أعين = وهي ما نبصر بها
عين = عيون = وهي عيون الماء

ونفس الشيئ نلاحظه في كلمة “ملك”:

ملك = ملوك = حكام البلاد
ملك = ملئكة = رسل الله المنزلة من السماء

فما نقصده هو أن هذه الكلمة “الملكين” ما زالت في حالتها الإزدواجية غير مبهمة وتدعونا للبحث بدقة أكثر في الآيات عوضا عما ورثناه من الأباء من تشكيل لكلمات القرءان التي تعكس وجهة نظر الذي وضعها. فلو كان حرف اللام في الكلمة بالكسرة “ملِكين” أو بالفتحة “ملَكين” فهنا يتغير المعنى كليا.

ثانيا: الآية تقول أن الله “أنزل عليهما” ولم تقل “أنزل معهما” أي أن هذين الشخصين متواجدين على الأرض فتأتيهم ملائكة منزلة لتوصل لهما ما ينبغي ان يصل. فلو كانا بالفعل من الملائكة حسب أقوال السلف فذلك سيدعونا للإستغراب والتساؤل: كيف يكون هناك ملائكة على الأرض ينزل عليهم ملائكة من السماء؟

والسؤال الأهم في هذا الموضوع: ما هو الشيئ الذي أنزل عليهما وبه تعاليم للناس؟

ثالثا: الآية التالية توضح لنا على أن الملائكة ليست معنية أن تكون على الأرض, يمشون ويعلمون الناس السحر
17:95 قل لو كان فى الأرض ملئكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا

فالسحر هو الخدع التي أستخدمها السحرة في عهد موسى وهارون ليوهموا الناس بأمور غير موجودة من الأساس وقد أبطلها الله بالقوة التي وضعها في عصا موسى. فالله لا يعلم الناس الأذية للآخرين بل يبين لهم هذه الأمور ليأخذوا حذرهم منها وفي نفس الوقت يمدهم بما ينفعهم.

هاروت وماروت وطالوت وجالوت

الملفت للنظر هو المقطع الأول من الآية التي تتكلم عن ملك سليمان: “واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان“. وكأن الله يعطينا مقارنة بين ملك سليمان البشري والملوك التي عاشت في العصر البابلي.

الآية 247 من نفس السورة ترجع بنا إلى الوراء لعهد طالوت وداوود وهو أب سليمان عليهما السلام لتوضح لنا وقائع الأحداث التي حصلت في ذلك الزمن والحروب التي مر بها الذين هادوا مع شعوب الفلسطينين القدماء. وكان لا بد لهم من ملك مؤيد من السماء حتى يتمكنوا بالنصرة على أعدائم:

2:247 وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفىه عليكم وزاده بسطة فى العلم والجسم والله يؤتى ملكه من يشاء والله وسع عليم

كما نلاحظ فالآية توضح علاقة الأسماء بين هاروت وماروت وطالوت !!

وحتى طالوت ورد في هذه الآية على أنه ملك وقد ذكر في التورىة على أنه أول ملك لبني إسرئيل. لكن الغريب هو أن الله لقبه في القرءان بلقب “طالوت” مع أن أسمه حسب الكتاب المقدس هو “شاول” أو “ساول“. فما هو السر وراء هذه التسمية ؟

ونجد آية أخرى من الله وهي 251 من نفس سورة البقرة تعطينا دلالة جديدة على هذه التسميات التي كلما ازدادت كلما توضح لنا الأمر أكثر:

2:251 فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وءاتىه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العلمين

نلاحظ مرة أخرى بأن الملك الذي كان عدوا لطالوت وداوود كان ملقب بـ “جالوت” !!! وها نحن الأن لدينا في نفس السورة أربعة أسماء لملوك بشرية جميعها تنتهي بالأحرف “وت” وهي: هروت, مروت, طالوت, جالوت.

والسؤال هو: هل هذه بالفعل أسماء لهؤلاء الأشخاص أم أنها ألقاب الملوك في ذلك الزمان؟ ولو كانت هي مجرد أسماء فما أهمية أن يذكر الله لنا أسماءهم؟

فلو نظرنا إلى كلمة “فرعون” على سبيل المثال, فهي أيضا ليست إسما لهذا الشخص بل لقبه كحاكم لمصر القديمة, والكلمة ترمز للسلطة الحاكمة وتعنى “البيت العظيم”. ولهذا نقول أن الله لا يذكر الأسماء عبثا بل هي ألقاب لها معانى ودلالات على مكانة هذا أو ذاك الشخص.

لقب طالوت وآية الملك “التابوت”

كما لاحظنا أن القاسم المشترك بين جميع هذه الألقاب هو الحرفين “وت” ولو قمنا بحذفهما من كلمة طالوت لتبين لنا أن لقبه “طال” المشتق من كلمة “طول” والتي قد يكون معناها “الرجل الطويل الجسم” فالآية 247 في الأعلى تأكد بأن الله زاده بجانب العلم بسطة في الجسم أيضا عن باقي الناس: “…إن الله اصطفىه عليكم وزاده بسطة فى العلم والجسم….

ونلاحظ من الآية 248 أن آية ملك طالوت – أي العلامة والأشارة الألهية التي يسترشد بها الناس على صدق ملكه – هو التابوت. وللمرة الخامسة نجد كلمة تنتهي بالحرفين “وت” وتدل على الملوكية البشرية.

2:248 وقال لهم نبيهم إن ءاية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك ءال موسى وءال هرون تحمله الملئكة إن فى ذلك لءاية لكم إن كنتم مؤمنين

والآية توضح لنا أن هذا التابوت كان مخفيا لمدى طويل, وعندما يظهره الله للناس فسيتأكدون أن طالوت هو الملك الذي إختاره لهم, فلا يجادلون بعد ذلك ويقبلوا به.

ونرى في هذه الآية أيضا أن الملائكة هي التى تحمل التابوت الذي به بقية من ءال موسى وءال هرون. فنرجع للسؤال الذي طرحناه في الأعلى “ما هو الشيئ الذي أنزل على الملكين وبه تعاليم للناس؟؟؟”

هل هو التابوت, آية ملك هروت ومروت, المِلكين من البشر؟

تابوت العهد

لقد سمح الله للملكين البابليين أن يعلما الناس السحر (حسب الآية 102) ولكن الآية لا تقول أن الله أنزله تعاليم للبشر بل أنزل عليهما تعاليم الألواح من التورية حتى تتعلم الناس كيف تفرق بين الخير والشر. فالسحر وحده قد يؤدي لهلاك الشعوب إن لم يكون مسنودا بالحكمة والموعظة الحسنة. ولهذا نجد التحذير الذي يقولانه للناس من بعد تعليمهما أن لا يكفروا ويسيؤا إستعماله ضد الآخرين.

وقد تنبهنا أيضا أن الإسمين “موسى وهرون” مذكورين في هذه الآية (248) وفي آية أخرى (70 من سورة طه) نجد أن الأسمين معكوسين “هرون وموسى” والغريب أن إسم الملكين “هروت ومروت” متقربين جدا منهما. وكأننا نرى شخصين يعلمان الناس التقوى والخير وهما هرون وموسى وآخران يعلمان الناس السحر وهما هروت ومروت.

أما قصة تابوت العهد القديم نجدها في التورية بجميع تفاصيلها وأهمها ملخصة أن موسى من بعد أن ألقي الألواح على الأرض أنكسر لوحين منها. فأمره الرب أن يبني تابوتا متينا ويضع به هذين اللوحين ولا يقربهما أي شخص آخر. وقد كانت بني إسرائيل تأخذ هذا التابوت في حروبها ضد أعدائها ليتبركوا به ولكن في زمن حروبهم مع الأشوريين خسروا هناك المعركة وسقط التابوت في أيدي البابليون !

لمزيد من المعلومات حول قصة تابوت العهد القديم..

ملاحظة

علامة أخرى تتكلم عن الملوك الطغاة التي لقبها الله في 8 آيات بلقب “الطاغوت” والتي تحمل في آخرها كما نرى الحرفين “وت” والكلمة مشتقة من الفعل “طغي” وتعني بإختصار – كل ما زاد عن حده :

40:6 ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم ءامنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطن أن يضلهم ضللا بعيدا

فلا بد أن الحرفين “وت” يعطوننا مفهوم “الملكية” التي نجدها أيضا في كلمة “ملكوت” التى تتكلم عن الملك الخالص لله وحده:

فسبحن الذى بيده ملكوت كل شىء وإليه ترجعون

والحمد لله رب العلمين