بسم الله الرحمن الرحيم
قد تفننت أصحاب دين الأباء من سنة الى شيعة إلى أحزاب أخرى بكيفبة قطع يد السارق والسارقة, وللأسف دون التفكر ولو للحظة بالرحمة التي أمر بها الله عباده المؤمنين. فالقرءان يبدأ آياته بإسمين عظيمين “الرحمن الرحيم” ونقولهما عند بداية كل سورة وكل عمل بأفواهنا ولا تستوعبها قلوبنا. فسبحان الذي أنزل علينا الكتب رحمة للعلمين.
ويتساءل البعض وخصوصا الغير مسلمين في بلاد الغرب كيف يكون هذا دينا عادلا وقد ملأته دماء الأبرياء, وفي أصغر جنحة قد يقترفها الإنسان أمام أخاه الإنسان, “السرقة”. ولو سألنا أصحاب الشأن عن هذا النوع من العقاب للسارق والسارقة, أي بتر اليد وفصلها عن الذراع لسمعناهم يقولون, أن الله وضع هذا الحد لهما وأكدت كتب الأحاديث لدينا هذا العقاب. وهم يقترون على الله الكذب لسبب عدم فقههم لما أمر الله به حقا.
سورة المائدة الآية 38 تعطينا المفهوم الألهي لهذا النوع من الجنح:
والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكلا من الله والله عزيز حكيم
وقد وجدنا وللأسف في أكثر الترجمات العالمية للقرءان مثل الأنجليزية والألمانية .. أن كلمة “فاقطعوا أيديهما” لم تترجم حرفيا كما هي في لغتها الأصل, بل أكثر المترجمين التراثيين أعطوا بدلا عنها كلمة “فابتروا أيديهما” لأنهم يعرفون أن كلمة “قطع” لها عدة معاني ومنها الجرح والشق وليس فقط البتر.
ما معنى قطع اليد
أولا كلمة “قطع” وحدها تعنى الجرح أو الشق بأداة حادة. وحتى لو نظرنا الى الكلمة الأنجليزية “cut” فسنرى التشابه مع الكلمة العربية “قطع” = cutta. وهذه الكلمة تعنى أيضا إما فصل الشيء عن الأخر أو الجرح فقط.
الوحيد الذي أختلفت ترجمته لهذه الآية عن الباقي الذين ينددون ببتر اليد هو رشاد خليفة الذي قال أن السارق والسارقة يعطى على أيديهما علامة تفرقهما عن الأخرين:
The thief, male or female, you shall mark their hands as a punishment for their crime, and to serve as an example from God. God is Almighty, Most Wise.
ولكن كيف وصل رشاد خليفة لهذا المفهوم وأين دليله من القرءان؟
سورة يوسف الآية 31 نقرأ التالي:
فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكءا وءاتت كل وحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم
والآية تتكلم عن قصة يوسف مع امراة عزيز مصر التى حاولت ان تراوده عن نفسه فأبى. فأرادت ان تكيده أمام نساء المدينة اللاتي بدأن يتكلمن عليها وعن حبها له. ومن الآية نرى أن النساء قطعن أيديهن أي جرحن أيديهن بالسكين التي اعطتهن أياها دون أن ينتبهن عندما ظهر عليهن بحسنه.
هاتين الآيتين (المائدة 38, يوسف 31) لهن علاقة رقمية مهمة. فلو جمعنا رقم السورة والآية لكل واحدة منهن لتبين لنا نفس النتيجة, وهي: 43.
(رقم السورة) 5 + (رقم الآية) 38 = 43
(رقم السورة) 12 + (رقم الآية) 31 = 43
فالآيتين ليستا من محض الصدفة من حيث النتائج العددية والمعنى. فالله عز وجل يعلم أن منكم من سيوسيئ فهم الحد الرباني للسارق والسارقة ولهذا وضع الآية بعلمه في مكانها المناسب, لا يبينه إلا للذين يؤمنون بكتابه ورحمته ولا يشركون به شيئا.
الجرح كعلامة عن السارق
قد يتساءل البعض عن الهدف لهذا الجرح الذي نعلم به يد السارق والسارقة وما هي الحكمة من ورائه.
جرح يد السارق كعلامة على باطن يده ليست أمرا جديدا عند الشعوب. فقد قامت به المحاكم الأوروبية في قديم العهد لكي يتعرف الناس على هذا الشخص إن كان له سوابق في هذا الأمر. فالسارق لا تأخذ له شهادة في المحاكم القضائية ولا يمكن له أن يأخذ منصبا عالي في الدوائر الحكومية. ولهذا السبب نرى كيف أن الذين يقومون بالحلفان أمام القضاء أو في تولى المناصب الحكومية برفع يدهم وإظهار باطنها للآخرين. وما زالت عادة رفع اليد عند الحلفان موجودة حتى يومنا هذا مع أن القطع لم يعد موجودا.
عقاب السارق
طبعا جرح باطن اليد للسارق ليست هي العقاب لهذه الجنحة, فيكفي أن تجرح يد السارق مرة واحدة فقط في حال أقدم عدة مرات على السرقة. أما العقاب الذي يعلمه المؤمنون حقا مثل ءال يعقوب نجده في قصتهم مع يوسف وإخوته (ابناء يعقوب) بنفس سورة يوسف الآيات 70-79
12:70 فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية فى رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسرقون
12:71 قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون
12:72 قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم
12:73 قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد فى الأرض وما كنا سرقين
12:74 قالوا فما جزؤه إن كنتم كذبين
12:75 قالوا جزؤه من وجد فى رحله فهو جزؤه كذلك نجزى الظلمين
12:76 فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه فى دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجت من نشاء وفوق كل ذى علم عليم
12:77 قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف فى نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون
12:78 قالوا يأيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نرىك من المحسنين
12:79 قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متعنا عنده إنا إذا لظلمون
الآيات 74 و 75 توضح لنا القانون الذي علمه يعقوب لبنيه. أولا أن لا تزر وازرة وزر أخرى أي لا يحل إنسان مكان إنسان آخر في العقوبة, ثانيا (الآيات 78 و79) أن يؤخذ هذا السارق ليقوم بأشغال يرد بها قيمة المسروقات ليعوض على الشخص المسروق منه خسارته ويدفع الأتعاب المتوجب عليه بسبب إخلال الأمن.
ملخص
ليس من الرحمة أن تبتر يد أنسان ربما دفعه الجوع والحاجة إلى السرقة. فنحن بهذا قد هدمنا حياته وحياة عائلته, وهو لن يقدر أن يقوم بأي عمل بعدها وسيصبح عالة على المجتمع لمدى حياته, وعائلته ستدهور حالتها وتصبح أفقر من قبل. وللأسف نجد الكثير من المتشددين الذين لا يعرفون في الدين إلا سفك الدماء لا ينظرون إلى الأمور إلا من هذا المنظار المريض ليرضوا به أنفسهم البشعة وينسون أن الله رؤوف رحيم بعباده وهو أرحم الراحمين.
الحمد لله رب العلمين
——————————————–
تصحيح
في الحقيقة لم أكن متأكدا من كلمة خلاف في العبارة “قطع الأيد والأرجل من خلاف”. ولكن من بعد النظر للآية 124 من سورة الأعراف تأكدت أنها لا تعني البتر وفصل العضو عن الجسم:
7:124 لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلف ثم لأصلبنكم أجمعين
فلو تم بتر الأيدي والأرجل بالفعل لما قدروا أن يصلبوهم بعد ذلك !!
فهي من المؤكد تعني الجرح وربما أيضا الجرح حين دق المسامير في باطن اليدين والرجلين وقت صلبهم على الأخشاب.