بسم الله الرحمن الرحيم
ما زلنا نجد الكثير من المسلمين متعشقين بما تربوا عليه من تعاليم أبائهم وشيوخهم وحتى لو أنهم خرجوا من الطائفة التي كانوا عليها والتحقوا بتعاليم القرءان وحده فهم ما زالوا الى حد ما مقيدين بمعتقداتهم القديمة. فما أفسده الدهر من الصعب أن يصلحه الفرد بوقت قصير والمباني التي بنيت على الباطل لا بد لها أن تنهار واحدة تلو الأخرى حتى لا يبقى لها أثر. والمفروض علينا أن لا نستخدم أنقاضها الفاسدة لبناء هيكل جديد طاهر من الرواسب ومتين بإذن الله تعالى.
وها نحن ما زلنا متعلقين بما قاله أئمة السلف بإدعائهم أن القرءان لم يدخل عليه التحريف لمدى القرون الأربعة عشر الماضية وأن النسخة التي بين أيدينا هي النسخة الأصل كيف نزلت على الرسول أي لم يضاف أو ينقص منها حرفا واحدا. فهل هذا الكلام صحيح؟
هؤلاء المدعين أستندوا بأقوالهم على الآية رقم 9 من سورة الحجر 15:
15:9 إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحفظون
التفكر بالآية ودراستها يبدوا لأكثر الناس أصعب من أن يرددوا ما تعلموه من أئمتهم. ونحن لا نريد أن نشرح للناس ما غاب عنهم ولكن من الواجب علينا وضع حد لهذه الأدعاءات عسى أن يُحكّم الإنسان عقله ليستبين الغي من الرشد إن شاء الله.
حرف اللام في الأفعال
نود التنبيه أن حرف اللام في الأفعال له دلالة إما على أمور مستقبلية أو على أمور إفتراضية. ولكن لنحاول أولا أن نفرق بين التعبيرين التاليين:
- “وإنا له حافظون” بدون حرف اللام (فاعلون)
- “وإنا له لحافظون” مع حرف اللام (لفاعلون).
فالعبارة الأولى ليست من القرءان وتعنى أن الحفظ له يكون على الدوام. أما العبارة الثانية فهي تعني أن الحفظ لا يكون على الدوام بل حين يأتي وقته فقط أي في المستقبل. وبما أن القرءان يفسر نفسه لذى علينا بالقرءان وحده لفهم وظيفة حرف اللام في إتصاله مع بداية الفعل (وليس الإسم).
نجد نفس العبارة “وإنا له لحافظون” مع حرف اللام في سورة يوسف قد أتت مرتين:
12:12 أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحفظون
12:63 فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يأبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له لحفظون
ونلاحظ أن في كلى الآيتين كلمة “لحفظون” مرتبطة بأمر مستقبلي. فإخوة يوسف لم يكونوا لأخاهم حافظون حين سألوا أباهم أن يبعثه معهم ولكنهم عاهدوه بأن يحافظوا عليه في يوم غد حين يذهب معهم. وفي الآية الثانية قاموا بوعد أبيهم بأن يحافظوا على اخاهم حين يرتحلون للكيل.
لنرى الآية 23:5 التي أتى بها نفس المصطلح, لكن بدون حرف اللام:
23:5 والذين هم لفروجهم حفظون
فكلمة “حفظون” في هذه الآية بدون حرف اللام تدل على أمر ساري مفعوله وليس ما هو مستقبلي. فالمؤمنون حافظون لفروجهم في كل وقت وعلى الدوام.
وحتى يتأكد القارئ أن وظيفة حرف اللام في أول الفعل دلالة على المستقبل الذي سيتم يه فعل القائل, نقدم بعض الأمثلة الأخرى:
12:61 قالوا سنرود عنه أباه وإنا لفعلون
18:8 وإنا لجعلون ما عليها صعيدا جرزا
أمثلة للام الإفتراضية
ونأتي أيضا ببعض الآيات التي تتحدث عن أمور إفتراضية والمدعمة أكثرها بكلمة “لو”. فهي لم تحصل في الأصل ولكن لو شاء الله لحصلت!
6:88 ذلك هدى الله يهدى به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون
42:27 ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا فى الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير
6:149 قل فلله الحجة البلغة فلو شاء لهدىكم أجمعين
11:118 ولو شاء ربك لجعل الناس أمة وحدة ولا يزالون مختلفين
لماذا لم يحفظه الله لجميع الناس
من المؤكد أن بعضنا سيتساءل لماذا سيكون حفظ القرءان للمستقبل وليس لكل الأجيال؟
الآيات التالية من سورة الحج تبين لنا أهم هذه الأسباب:
22:52 وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبى إلا إذا تمنى ألقى الشيطن فى أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطن ثم يحكم الله ءايته والله عليم حكيم
22:53 ليجعل ما يلقى الشيطن فتنة للذين فى قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظلمين لفى شقاق بعيد
22:54 وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين ءامنوا إلى صرط مستقيم
نلاحظ أن الآيتين 53 و 54 يتكلمان أيضا عن المستقبل. فما أفاضت به شياطين الإنس والجن في القرءان هو ليس من عند الله ولكن الله ينسخه ويتركه للذين في قلوبهم مرض. أما الذين أوتوا العلم فسيعلمون ويفرقون بين الحق والباطل والله لهاديهم الى صراطه المستقيم بإذنه.
ملخص
وبهذا نرى ومن الدلالات القرءانية أن كلمة “لحافطون” لا تعني حفظ القرءان من بداية نزوله حتى الأن, بل هي لأمر مستقبلي تعهد به الله في القرءان وبهذا بين لنا أن القرءان في الأجيال الماضية ومن بعد وفاة النبي محمد لم يكن محفوظا لأن الذين غيروا في دين الله وأصبحوا شيعا لا يستحقون هذه الصحف المطهرة. وكما نعلم: بان يوما عند الله كألف سنه مما تعدون .. وها نحن ومن بعد 1400 سنة من نزول القرءان (أي يوما ونصف تقريبا) قد بعث الله رسول الميثاق بآية من ربه لينقي القرءان من الشوائب والتلاعب الذي دخل عليه,
فالحمد لله رب العلمين.