هل الله بحاجة لخليل؟

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد أعتاد الناس أن يبجلوا رسلهم وأنبياءهم ووصفهم بأوصاف لا تليق. ومن أحد هذه الأوصاف هي لقب “الخليل” لنبينا إبراهيم معتقدين بأن الله إتخذ هذا النبي خليلا من دون البشر وهذا يرجع لأسباب أن المسلمون يعتقدون ويؤمنون أن تشكيل القرءان هو ما نزل على الرسول محمد ولم تمسه يد بشر يتغير أو تحريف.

للأسف أكثر الناس يجهلون حقيقة كتابة القرءان في العصر الأول للإسلام وأن القرءان لم ينزل أو يكتب بالتشكيل إلا من بعد وفاة النبي بسنين, حتى أن التشكيل لم يعرف إلا في نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني من الهجرة. وهذا الأمر قد حصل جراء مخافة المسلمين بإن يقرأ القرءان بطرق مختلفة مما يأدي لفهمه بمفاهيم مختلفة. لا نريد أن نقول أن هذا العمل أثم أو محرم عليهم ولكن نريد أن ننبه بأن ما كتبه البشر قابل دائما للخطأ ويجب علينا تصحيحه وتبيانه للناس حتى لا يتقولوا على الله إفتراءا ويكون إيمانهم مربوط بالشرك والعياذ بالله.

تعريف كلمة الخليل

كلمة الخليل أتت من الجزر “خل” ومنها “خلال” وتعني “ما بين شيئين” أو “عبر شيئين”:

15:5 فإذا جاء وعد أولىهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولى بأس شديد فجاسوا خلل الديار وكان وعدا مفعولا

الخَلَلُ : مُنْفَرَج ما بين كلَّ شيئين .
ويقال : هو خَلَلَهُم : بينَهم .
وجَاسَ خَلَلَ الدِّيار : سار وتردَّدَ بينَها .

و الخُلَّةُ الصداقةُ والمحبَّة التي تخلَّلت القلب فصارت خلاله : أى في باطنه .

2:254 يأيها الذين ءامنوا أنفقوا مما رزقنكم من قبل أن يأتى يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفعة والكفرون هم الظلمون

وكلمة “الخلاء” هي “التواجد في مكان ليس به شخص آخر” و “الإختلاء” و الخَلْوة : مكان الانفراد بالنَّفس أو بغيرها .

25:28 يويلتى ليتنى لم أتخذ فلانا خليلا

والخليل هو الصديق الحميم الذي يرافقني في خلوتي أي في وحدتي, أشاركه متاعبي وأفضفض له عن قليى.

وهل تعتقد أخي المسلم أن الله بحاجة لأي شخص يختلي به في وحدته يتونس معه ويفضفض له عما في قلبه ولذلك أتخذ إبراهيم خليلا لنفسه؟؟؟

سبحانه لا إله إلا هو وحده لا شريك له وأنه تعلى جد ربنا ما اتخذ صحبة ولا ولدا (72:3).

تشكيل الحروف هو تأويل الآيات

تشكيل الحروف القرءانية هو بحد ذاته تأويل لها فكل تغير لحركة على حرف من الحروف يغير بذلك المعنى للكلمة. أحد الأمثلة المهمة لفهم المقصود من التشكيل متواجد في الآية 35:28

35:28 ومن الناس والدواب والأنعم مختلف ألونه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلمؤا إن الله عزيز غفور

نلاحظ أن العبارة “إنما يخشى الله من عباده العلمؤا” هي إحدى الإعجازات اللغوية للقرءان وقد قرأت من أكثر المبتدئين خطأ حين تلاوتهم لكلمة “الله” بالضمة بدلا من الفتحة. فالتشكيل يبين الفاعل من المفعول به. وفي الحقيقة نحن لسنا بحاجة للتشكيل وخصوصا في هذه الآية لأن كلمة “العلمؤا” أتت بحرف الواو معها كما نلاحظ وهو حرف يضم الكلمة ليوضح أن العلماء هم الفاعل وبهذا تكون كلمة “الله” هي المفعول به. والآية توضح بطريقة مختصرة وملمة بأن بعض عباد الله العلماء (ليسوا جميعهم) منهم من يخشى الله. هذا الأسلوب في التعبير نجده أيضا في الآية 4:125 حيث يوضح لنا الله عز وجل معنى كلمة “حنيف” بقوله “واتخذ الله إبرهيم خليلا”.

4:125 وَمَن أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّن أَسلَمَ وَجهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبرَهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إبرَهِيمَ خَلِيلًا

للأسف لقد إنحصر المسلمون بهذا الفهم بأن الله أتخذ لنفسه خليل والعياذ بالله من جراء التشكيل الذي ضم كلمة “اللهُ” وفتح كلمة “إبرهيمَ” ليبدي لنا فهما واحدا لا يقبل النقاش. فالسلف قد فهموا الآية 35:28 بالشكل الصحيح لأنهم يعرفون حق المعرفة بأن الله لا يخشى أحدا بل العلماء هم الذين يخشونه ولكنهم ظنوا بأن الله يتخذ لنفسه خليلا وبهذا نسوا بأنه جل وعلى لم يتخذ صاحبة ولا ولدا (72:3).

والأن دعونا نعكس الحركات لكلمتي “اللهَ” (بالفتحة) و “إبرهيمُ” (بالضمة) كما هي الحال في الآية 35:28 ونرى النتيجة:

4:125 وَمَن أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّن أَسلَمَ وَجهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبرَهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهَ إبرَهِيمُ خَلِيلًا

وهنا يتوضح لنا بأن إبرهيم هو الذي إتخذ الله خليلا في وحدته, لا يسأل إلا الله ولا يفضفض سره إلا إلى الله ولا يحب أحدا أكثر من الله, فلا يختلي إلا مع الله وهذه هي صفات الحنيف الذي أمرنا الله بأن نقتدي بها ونكون حنفاء مثل إبرهيم. والعبرة من وجود هذه الآية هي أن كل إنسان منا بإمكانه إتخاذ الله خليلا لنفسه ودون وسيط.

6:74 وإذ قال إبرهيم لأبيه ءازر أتتخذ أصناما ءالهة إنى أرىك وقومك فى ضلل مبين
6:75 وكذلك نرى إبرهيم ملكوت السموت والأرض وليكون من الموقنين
6:76 فلما جن عليه اليل رءا كوكبا قال هذا ربى فلما أفل قال لا أحب الءافلين
6:77 فلما رءا القمر بازغا قال هذا ربى فلما أفل قال لئن لم يهدنى ربى لأكونن من القوم الضالين
6:78 فلما رءا الشمس بازغة قال هذا ربى هذا أكبر فلما أفلت قال يقوم إنى برىء مما تشركون
6:79 إنى وجهت وجهى للذى فطر السموت والأرض حنيفا وما أنا من المشركين

الحمد لله رب العلمين