لا يمسه إلا المطهرون

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد تعلمنا  مند الصغر أن لا نمسك صفحات القرءان إلا ونحن متوضؤن وأساتذتنا قاموا بتوضيح الأسباب لهذا الأمر من عبر الآية 56:79  التي تنص حسب فكرهم أن القرءان لا يلمس إلا من الإنسان الطاهر جسديا مما أدى لمنع المرأة الحائض من قراءة القرءان والتعبد لله. هذا المفهوم هو ما نصه المفسرين القدماء في كتبهم وأخذته العامة من الناس على ظاهره دون التفكر بآيات الله.
من ناحية أن إحترام الكتب وصيانتها واجب على كل من يحب العلم ويسعى لنشره في بيئته ومن الطبيعي أن لمس أي كتاب بأيد متسخة غير محبب لصاحب الكتاب ولكن من الناحية الآخرى نجد أن المسلمون أصبح عندهم تخوف من كتاب الله وقراءته في أي وقت كان وفي أي زمان لإعتقادهم بأن لمسه من غير وضوء هو من المعاصي.
لننظر إلى الآية 79 من سورة الواقعة ونحاول أن نفهم ما المقصود منها:

56:79 لا يمسه إلا المطهرون

أولا هناك فارق ما بين الكلمتين “لمس” و “مس” في القرءان. أما الكلمة الأولى فهي متواجدة 5 مرات في القرءان وتعني اللمس الخارجي لأي شيئ. مثال الآية 7 من سورة الأنعام التي توضح أن اللمس يكون باليد:

6:7 ولو نزلنا عليك كتبا فى قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين

أما الكلمة الثانية “مس” فلها مفاهيم متعددة من أهمها أن تلمس الأمور داخليا (في القلب) وبذات الأنسان. وهذه بضع آيات تشرح المساس الداخلي:

مساس الشيطان:
2:275 الذين يأكلون الربوا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطن من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربوا وأحل الله البيع وحرم الربوا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحب النار هم فيها خلدون

مساس السوء:
3:174 فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضون الله والله ذو فضل عظيم
11:10 ولئن أذقنه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيءات عنى إنه لفرح فخور

والكلمة الأخيرة في الآية 56:79 وهي “المطهرون” (مع فتحة على حرف الطاء) مختلفة في أي حال من الأحوال عن كلمة “المطهرين” (مع شدة على حرف الطاء). فالكلمة الأولى “المطهر” تعني أن هناك من قام بتطهير شخص آخر من أي علائق خارجية أو داخلية. مثال الآية 55 من سورة آل عمران:

3:55 إذ قال الله يعيسى إنى متوفيك ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيمة ثم إلى مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون

فالآية لا تعني أن عيسى ابن مريم تم تطهيره وغسله بالماء بل تعني أنه تم إبعاده وتبرءته من المعتقدات الكفرية التي لاحقوه بها على أنه “ابن الله” والعياذ بالله.

أما كلمة “متطهر” توضح أن الطهارة تأتي من الشخص ذاته ولنفسه دون مساعدة من أشخاص آخرين كما هي في الآية 108 من سورة التوبة:

9:108 لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين

وبهذا نفهم أن الآية 56:79 “لا يمسه إلا المطهرون” ليس لها دخل بالوضوء أو طهارة الجسد بل المقصود هو طهارة النفس والآية تعني أن القرءان لا يدخل في صميم الأنسان إلا إذا كان طاهرا في قلبه وفي فكره.
بالطبع القرءان هو رفيق الأنسان المؤمن في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولهذا فهو من الواجب علينا الحفاظ على رفيقنا خارجيا وداخليا والإعتناء به لكي يبقى معنا أن شاء الله. ولكن الشيطان يود أن يبعد المؤمنين عنه بشتى الطرق بإبتداعة فكرة الوضؤ قبل لمس القرءان وأن المرأة لا يجوز لها قراءته في وقت حيضها وبذلك مخوفا إياهم على أنهم يرتكبون المعاصي من جراء فعلتهم وبسبب فهمهم الخاطئ لآيات الله.

3:175 إنما ذلكم الشيطن يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين

16:98 فإذا قرأت القرءان فاستعذ بالله من الشيطن الرجيم

الحمد لله رب العلمين